أيضا مقبولا وإلا فلا يقبل في شيء من الصور وتبطل كلية مذهبكم. وأورد على الشق الثاني أن قولنا: «تكليفه يتضمن مفسدة» ليس معناه أن ذات التكليف تتضمن المفسدة وإلا لم ينفك تكليف عن المفسدة وأنه باطل بالاتفاق، فمعناه إذا أنه تعالى علم أنه إذا كلف هذا الشخص فإن إنسانا آخر يختار من قبل نفسه فعلا قبيحا، فإن اقتضى هذا القدر أن يترك الله تعالى تكليفه وجب أن يقبح تكليف كل من علم الله من حاله أنه يكفر وإلا لزم محض التحكم. هذا تمام مناظرة الفريقين، ولعلك قد عرفت التحقيق هنا فيما سلف فتذكر.
ثم قال: وَهذا صِراطُ رَبِّكَ في المشار إليه وجوه منها: أنه المذكور في الآية المتقدمة. أما على مذهب الأشاعرة وهو أن الفعل يتوقف على الداعي وحصول تلك الداعية من الله تعالى فيكون الفعل من الله، ويلزم استناد الكل إلى قضائه وقدره. وأما على مذهب المعتزلة فالمراد هذا الذي قررنا طريقته التي اقتضتها الحكمة وعادته الجارية في عباده من التوفيق والخذلان. ومعنى مُسْتَقِيماً عادلا مطردا. وانتصابه على الحال المؤكدة والعامل ما في اسم الإشارة من معنى الفعل. أو هو محذوف أي أحقه. وعن ابن عباس: يريد هذا الذي أنت عليه يا محمد دين ربك. وقال ابن مسعود: يعني القرآن. قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ ذكرناها فصلا فصلا بحيث لا يختلط واحد منها بالآخر. قال في التفسير الكبير: قد بيّن الله تعالى صحة القول بالقضاء والقدر في آيات من هذه السورة متوالية متعاقبة بطرق كثيرة ووجوه مختلفة. وختم الآية بقوله: لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ لأنه تقرر في عقل كل واحد أن أحد طرفي الممكن لا يترجح عن الآخر إلا لمرجح فكأنه يقول للمعتزلي: تذكر ما تقرر في عقلك أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه إلا لمرجح حتى تزول الشبهة عن قلبك فإن حصول الفعل عن القادر لو لم يتوقف على الداعي مع تساوي طرفيه وجب أن يحصل هذا الاستغناء في كل الممكنات والمحدثات وحينئذ يلزم نفي الصانع وإبطال القول والفعل والفاعل والتأثير والمؤثر. ثم لما بيّن عظمة نعمته في الصراط المستقيم بيّن ما أعد وهيىء للمتذكرين فقال: لَهُمْ دارُ السَّلامِ أي دار الله يعني الجنة، والإضافة للتشريف والتعظيم كما قيل:
الكعبة بيت الله: أو دار السلامة من كل آفة وكرب والسلام والسلامة مثل: الضلال والضلالة والرضاع والرضاعة كلاهما مصدر. وقيل: السلام جمع السلامة لأن أنواع السلامة حاصلة في الجنة. ومعنى عِنْدَ رَبِّهِمْ أنها معدة عنده وفي ضمانه كما يقال لفلان عندي حق لا ينسى وذلك نهاية في بيان وصولهم إليها وكونهم على ثقة من حصولها وَهُوَ وَلِيُّهُمْ أي قريب منهم بالرحمة والرضوان أو مواليهم ومحبهم أو ناصرهم على أعدائهم، وذلك أن القوم قد عرفوا أن المدبر والمقدر ليس إلا هو جل جلاله، وأن النافع والضار ليس إلا هو