حجة على غيره وليس غيره حجة عليه، والقراآت السبع كلها متواترة فكيف يمكن تخطئة بعضها؟ فإذا ورد في القرآن المعجز مثل هذا التركيب لزم القول بصحته وفصاحته وأن لا يلتفت إلى أنه هل ورد له نظير في أشعار العرب وتراكيبهم أم لا، وإن ورد فكثير أم لا؟
ومع ذلك فقد وجهه بعض الفضلاء بأن المضاف إليه من الأول محذوف على نحو قوله:
بين ذراعي وجبهة الأسد والمضاف مضمر مع الثاني كقراءة من قرأ وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [الأنفال: ٦٧] بالجر على تقدير عرض الآخرة، فتقدير الآية: قتل شركائهم أولادهم قتل شركائهم. ومعنى لِيُرْدُوهُمْ ليهلكوهم بالإغواء. قال ابن عباس: ليردوهم في النار. واللام محمول على العاقبة إن كان التزيين من السدنة، وعلى حقيقة التعليل إن كان من الشيطان وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ليخلطوه عليهم ويشبهوه ودينهم ما كانوا عليه من دين إسماعيل فهذا الذي أتاهم بهذه الأوضاع الفاسدة أراد أن يزيلهم عن ذلك الدين الحق. وقيل: دينهم الذي وجب أن يكونوا عليه، وقيل: وليوقعوهم في دين ملتبس وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ لما فعل المشركون ما زين لهم، أو لما فعل الشياطين والسدنة التزيين أو الإرداء أو اللبس أو جميع ما ذكر إن جعل الضمير جاريا مجرى اسم الإشارة. والمعتزلة حملوا هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء والقسر. ثم قال: فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ على قانون قوله: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ [فصلت: ٤٠] وفيه مع التهديد التسجيل على المأمور بأنه لا يأتي منه إلا الشر والشرك.
قيل: إنما قال في هذه الآية وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ ليكون مناسبا لقوله: وَجَعَلُوا لِلَّهِ وقال فيما قبل: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ [الأنعام: ١١٢] لأنه وقع عقيب آيات فيها ذكر الرب كقوله: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ [الأنعام: ١٠٤] الآيات. النوع الثالث من أحكامهم الباطلة أنهم قسموا أنعامهم أقساما فأوّلها أن قالوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ وحجر «فعل» بمعنى «مفعول» كالذبح والطحن ويستوي في الوصف به المذكر والمؤنث والواحد والجمع لأن حكمه حكم الأسماء غير الصفات، وأصل الحجر المنع وسمي العقل الحجر لمنعه من القبائح، وفلان في حجر القاضي أي في منعه. كانوا إذا عينوا شيئا من حرثهم وأنعامهم لآلهتهم قالوا: لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء وَثانيها أن قالوا: هذه أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وهي البحائر والسوائب والحوامي وقد سبق في المائدة. وَثالثها: أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا في الذبح وإنما يذكرون عليها أسماء الأصنام. وقيل: هي أنعام لا يحجون عليها ولا يلبون على ظهورها وإنما فعلوا ذلك كله من غير حكم من الله وشرع منه بل افْتِراءً عَلَيْهِ وانتصابه