يفتقر إلى الاجتهاد. ورد بأن وجه المشابهة بين النعم والصيد أيضا يتوقف على الاجتهاد. عن قبيصة بن جابر أنه ضرب ظبيا في الإحرام فمات فسأل عمر- وكان إلى جانبه عبد الرحمن ابن عوف- فقال له: ما ترى؟ قال: عليه شاة. قال: وأنا أرى ذلك، فاذهب فأهد شاة. قال قبيصة: فخرجت إلى صاحبي وقلت: إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره.
قال: ففاجأني عمر وعلاني بالدرّة وقال: أتقتل في الحرم وتسفه الحكم؟ قال الله تعالى يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فأنا عمر وهذا عبد الرحمن. قال الشافعي: ما ورد فيه نص فهو متبع كما
روي أنه ﷺ قضى في الضبع بكبش.
وكل ما حكم به عدلان من الصحابة أو التابعين أو من أهل عصر آخر من النعم أنه مثل الصيد المقتول يتبع حكمهم ولا حاجة إلى تحكيم غيرهم لأن بحثهم أوفى ونظرهم أعلى. وقال مالك: يجب التحكيم فيما حكمت به الصحابة وفيما لم تحكم. وهل يجوز أن يكون قاتل الصيد حكما؟ إن كان القتل عمدا عدوانا فلا لأنه يورث الفسق والحكم موصوف بالعدالة، وإن كان خطأ أو كان مضطرا إليه فكذلك عند مالك كما في تقويم المتلفات. وجوّزه الشافعي لما روي أن بعض الصحابة أوطأ فرسه ظبيا فسأل عمر فقال: احكم فيه. فقال: أنت خير مني وأعلم يا أمير المؤمنين. فقال: إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني. فقال الرجل: أرى فيه جديا فقال عمر: فذلك فيه. وأيضا فإنه حق الله فيجوز أن يكون من عليه أمينا فيه كما أن رب المال أمين في الزكاة.
ولو حكم عدلان بأن له مثلا وآخران بأنه لا مثل له فالأخذ بقول الأولين. ولو حكم عدلان بمثل وآخران بمثل آخر فأصح الوجهين أنه يتخير والآخر أنه يأخذ بالأغلظ. قيل: في الآية دلالة على أن العمل بالاجتهاد والقياس جائز. وأجيب بأنه لا نزاع في الصور الجزئية كالاجتهاد في القبلة وكالعمل بشهادة الشاهدين وبتقويم المقوّمين في قيم المتلفات وأروش الجنايات، وكعمل العامي بالفتوى، وكالعمل بالظن في مصالح الدنيا، إنما النزاع في إثبات شرع عام في حق جميع المكلفين باق على وجه الدهر والإنصاف أن تجويز الاجتهاد في القبلة وفي تعيين مثل الصيد المقتول أمر كلي أيضا. وانتصب هَدْياً على أنه حال من فَجَزاءٌ عند من وصفه بمثل لأنه حينئذ قريب من المعرفة أو بدل من محل مِثْلُ عند من أضاف، أو حال من الضمير في بِهِ ووصف هديا ببالغ الكعبة لأن إضافته غير حقيقية تقديره بالغا الكعبة. والعرب تسمي كل بيت مربع كعبة ولا سيما إذا كان مرتفعا. ومعنى بلوغه الكعبة أن يذبح في الحرم لأن الذبح والنحر لا يقعان في نفس الكعبة ولا في غاية القرب والتلاصق منها فإن دفع مثل الصيد المقتول إلى الفقراء حيا لم يجز. قال الشافعي:
يجب عليه أن يتصدق به في الحرم أيضا لأن نفس الذبح إيلام ولا قربة فيه وإنما القربة في التصدّق على فقراء الحرم. وقال أبو حنيفة: له أن يتصدق به حيث شاء لأنها لما وصلت