وأيضا كان المشركون يطالبونه بعد ظهور المعجزات بمعجزات أخر كقوله حاكيا عنهم لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء: ٩٠] إلى تمام الآية. وكان لبعض المسلمين أيضا ميل إلى ظهورها فمنعوا ذلك لأن طلب الزيادة بعد ثبوت الرسالة من باب التحكم، ولعلها لو ظهرت ثم أنكرت استحق المنكر العقاب العاجل، ويحتمل أن يكون وجه النظم قوله وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ [النور: ٢٩] فاتركوا الأمور على ظواهرها ولا تسألوا عن أشياء مخفية إن تبد لكم تسؤكم. وللنحويين في منع صرف أشياء وجوه، فقال الخليل وسيبويه: أصلها «شياء» على وزن «حمراء» فهو اسم جمع لشيء استثقلوا الهمزتين في آخره فنقلوا الهمزة التي هي لام الفعل إلى أوّل الكلمة فصار وزنه «لفعاء». وقال الفراء: أصلها «أفعلاء» بناء على أن «شيا» مخفف شيء كما يقال «هين» في «هين» وقد يجمع «فيعل» على «أفعلاء» كنبي وأنبياء، لكنهم استثقلوا اجتماع الياء والهمزتين فحذفوا اللام فبقي «أشياء» على وزن «أفعاء». وقال الكسائي: وزنها «أفعال» ومنع الصرف تشبيها له بحمراء. ولا يلزم منه منع صرف «أبناء» و «أسماء» لأن ما ثبت على خلاف الدليل لا يلزم اطراده ولكنه يكون مقصورا على المسموع. والحاصل أن السؤال عن الأشياء ربما يؤدي إلى ظهور أحوال مكتومة يكره ظهورها وربما ترتب عليها تكاليف شاقة صعبة. فالذي سأل عن أبيه لم يأمن أن يلحق بغير أبيه فيفتضح، والسائل عن الحج كاد أن يوجبه في كل عام
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته» «١»
وكان عبيد بن عمير يقول: إن الله أحل وحرم، فما أحل فاستحلوه وما حرم فاجتنبوه، وترك بين ذلك أشياء لم يحللها ولم يحرمها فذلك عفو من الله تعالى فاقبلوه. وقال أبو ثعلبة: إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحدّ حدودا فلا تعتدوها وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها. ثم لما رتب المساءة على السؤال ذكر أن الإبداء سيكون لأن الوحي غير منقطع فقال وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ أي في زمان الوحي لأن الرسول بين أظهركم تُبْدَ لَكُمْ تلك الأمور أو التكاليف. فالحاصل أنهم إن سألوا عنها أبديت لهم وإن أبديت لهم ساءتهم فيلزم من المقدمتين أنهم إن سألوا عنها ساءتهم. وقيل: السؤال قسمان: أحدهما السؤال عن شيء لم يجر ذكره في الكتاب والسنة فنهى عنه بقوله لا تَسْئَلُوا والثاني السؤال عن شيء نزل به القرآن. لكن السامع لم يفهمه كما ينبغي وهذا السؤال غير مذموم فأشار إلى هذا القسم بقوله: وَإِنْ تَسْئَلُوا رفعا للحرج وتمييزا لهذا القسم من الأوّل. وإنما حسن عود الضمير