ماله غيره فقد حاول ذلك الغير أن يكون تعلقه بذلك المال مستعليا على تعلق مالكه به فصح أن يوصف المالك بأنه قد استحق عليه ذلك المال. وارتفع الْأَوْلَيانِ على أنهما خبر مبتدأ محذوف فكأنه قيل: ومن الآخران؟ فقيل: هما الأوليان، ويجوز أن يكون بدلا من الضمير في يَقُومانِ أو من فَآخَرانِ ويجوز أن يرتفع ب اسْتَحَقَّ أي من الذين استحق عليهم انتداب الأولين منهم للشهادة لاطلاعهم على حقيقة الحال- قاله في الكشاف- ومعنى الأوليان الأقربان إلى الميت أو الأوليان الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما، أو الأحقان باليمين إما على تقدير الرد وذلك عند الشافعي وكل من يرى رد اليمين على المدعي، وإما لانقلاب القضية عند من يرى ذلك كأبي حنيفة وأصحابه، فإن من أقر لآخر بدين ثم ادعى أنه قضاه حكم برد اليمين إلى الذي ادّعى الدين أوّلا لأنه صار مدعى عليه أنه قد استوفاه. وفي هذه القصة ادعى الوصيان أن الميت باع منهما الإناء، والورثة أنكروا فكان اليمين حقا لهم. ومن قرأ الْأَوْلَيانِ على الجمع فعلى أنه نعت ل الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ أو منصوب على المدح.
ومعنى الأوّلية التقدم على الأجانب في الشهادة أو التقدم في الذكر في قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا وكذلك اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ذكرا قبل قوله قرأ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ومن قرأ اسْتَحَقَّ على البناء للفاعل عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فقد قال في الكشاف: معناه من الورثة الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين. وفي التفسير الكبير أن الوصيين اللذين ظهرت خيانتهما هما أولى من غيرهما بسبب أن الميت عينهما للوصية، ولما خانا في مال الوصية صح أن يقال: إن الورثة قد استحق عليهم الأوليان أي خان في مالهم الأوليان.
روي أنه لما نزلت الآية الأولى صلى رسول الله ﷺ صلاة العصر ودعا بعدي وتميم فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو إنه لم يوجد منا خيانة في هذا المال فخلى رسول الله ﷺ سبيلهما وكتما الإناء مدة، ثم باعاه فوجد بمكة. وقيل: لما طالت المدة أظهراه فبلغ ذلك ورثته فطلبوه منهما فقالا: كنا قد اشتريناه. فقالوا: ألم نقل لكم هل باع صاحبنا شيئا فقلتم لا؟ فقالا: لم يكن عندنا بينة فكرهنا أن نقر وكتمنا. فرفعوا القصة إلى رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا الآية فقام عمرو بن العاص والمطلب بن وداعة فحلفا بالله بعد العصر لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا في طلب هذا المال وفي نسبتهم إلى الكذب والخيانة، فدفع رسول الله ﷺ الإناء إليهما وإلى أولياء الميت.
وكان تميم الداري يقول بعد إسلامه:
صدق الله وصدق رسوله أنا أخذت الإناء فأتوب إلى الله تعالى. وعن ابن عباس أنه بقيت تلك الواقعة مخفية إلى أن أسلم تميم الداري فقال: حلفت كاذبا وقد بعت الإناء أنا وصاحبي بألف وقسمنا الثمن، ثم دفع خمسمائة من نفسه ونزع من صاحبه خمسمائة أخرى