يقينا وعرفانا وطمأنينة فإن التي شاهدناها منك معجزات أرضية وهذه سماوية فتكون أعجب وأغرب، وأن نعلم صدقك في دعوى النبوّة أو فيما وعدتنا وذلك أنه كان قال لهم: صوموا ثلاثين يوما، وإذا تم صومكم فكل ما سألتموه الله تعالى فإنه يعطيكم. وإذا شاهدنا المعجزة كنا عليها من الشاهدين للذين لم يحضروها من بني إسرائيل، أو نكون من الشاهدين لله تعالى بالقدرة ولك بالنبوّة تَكُونُ لَنا عِيداً صفة للمائدة أو استئناف. وقرىء بالجزم جوابا للأمر. كان نزولها يوم الأحد فلذلك اتخذه النصارى عيدا. والعيد ما يعود إليك في وقت معلوم ومنه العيد لأنه يعود كل سنة بفرح جديد لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا بدل من لنا بتكرير العامل أي لمن في زماننا من أهل ديننا ولمن يأتي بعدنا، أو يأكل منها آخر الناس كما يأكل أوّلهم، أو للمقدّمين منا والأتباع. وقرىء لأولانا وأخرانا بمعنى الأمة أو الجماعة. فقول عيسى رَبَّنا ابتداء بذكر الحق وأَنْزِلْ عَلَيْنا انتقال من الذات إلى الصفات، وقوله تَكُونُ لَنا عِيداً إشارة إلى ابتهاج الروح بالنعمة لا من حيث إنها نعمة بل من حيث إنها صادرة عن المنعم. وقوله وَآيَةً مِنْكَ إشارة إلى كون المائدة دليلا لأصحاب النظر والاستدلال وقوله وَارْزُقْنا إشارة إلى حصة النفس فالحواريون قدّموا غرض النفس وأخروا الأغراض الدينية، وأن عيسى بدأ بالأشرف حتى انتهى إلى الأخس ثم قال وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ وهو عروج مرة أخرى من الخلق إلى الخالق، وعند هذا يظهر التفاوت بين النفوس الكاملة والناقصة والمشرقة والمظلمة. اللهم اجعلنا من أهل الكمال والإشراق بعميم فضلك وجسيم طولك مُنَزِّلُها بالتخفيف والتشديد بمعنى. وقيل: بالتشديد للتكثير وبالتخفيف مرة واحدة عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ قال ابن عباس: يريد مسخهم خنازير. وقيل:
قردة. وقيل: جنسا من العذاب لا يكون مؤخرا إلى الآخرة. وَعَذاباً نصب على المصدر أي تعذيبا والضمير في لا أُعَذِّبُهُ للمصدر، ولو أريد بالعذاب ما يعذب به لم يكن بد من الباء في الموضعين، فقيل: أعذبه بعذاب لا أعذب به أحدا، وأراد بالعالمين عالمي زمانهم. واختلف في أن عيسى عليه السلام سأل المائدة لنفسه أو سألها لقومه وإن كان أضافها إلى نفسه في الظاهر وكلاهما محتمل. أما نزولها فقد قال مجاهد والحسن: إن المائدة ما نزلت بل القوم لما سمعوا العذاب استغفروا وقالوا: لا نريدها وأكدوا هذا القول بأنه وصف المائدة بكونها عيدا لأولهم وآخرهم، فلو نزلت لبقي العيد إلى يوم القيامة. وقال جمهور المفسرين: إنها نزلت لأنه سبحانه وعد إنزالها بقوله إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ثم إن يوم نزولها كان عيدا لهم ولمن بعدهم ممن كان على شرعهم.
روي أن عيسى عليه السلام لما أراد الدعاء لبس الصوف ثم قال: اللهم أنزل علينا فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين، غمامة فوقها وأخرى تحتها، وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى عليه السلام


الصفحة التالية
Icon