ودينه، وإما أن يكون جمع سلامة. وقيل: السلام هو الله أي الله عليكم أي على حفظكم ولعل هذا الوجه إنما يتأتى في المعرف لا في المنكر. كَتَبَ رَبُّكُمْ من جملة المقول لهم تبشيرا بسعة رحمة الله وقبوله التوبة. ومعنى كتب على نفسه أوجب على ذاته إيجاب الكرم لا إيجابا يستحق بتركه الذم. وقالت المعتزلة: كونه عالما بقبح القبائح وباستغنائه عنها يمنعه عن الإقدام عليها ولو فعل كان ظلما، وإيجاب الرحمة ينافي القول بأنه منع الكافر من الإيمان ثم أمره حال ذلك المنع بالإيمان ثم يعذبه على ترك ذلك الإيمان، وأجيب بأنه فاعل لما يشاء ولا اعتراض عليه. أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ من قرأ بالفتح فعلى الإبدال من الرحمة، ومن قرأ بالكسر فعلى الاستئناف كأن الرحمة استفسرت فقيل: إنه من عمل مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ وهو في موضع الحال أي عمله وهو جاهل. والمراد أنه فاعل فعل الجهال لأن من عمل ما يضره في العاقبة وهو عالم بذلك أو ظان فهو من أهل السفه لا من أهل الحكمة والتدبير، أو أنه جاهل بعاقبته ومن حق الحكيم أن لا يقدم على ما لا يعرف مآل حاله. ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ بأن يندم على ما فعله وَأَصْلَحَ العمل في المستقبل فَأَنَّهُ غَفُورٌ يزيل العقاب عنه رَحِيمٌ يوصل الثواب إليه من قرأ بالكسر فعلى: أن الجملة جزاء للشرط، ومن قرأ بالفتح فعلى أن الخبر أو المبتدأ محذوف أي فغفرانه كائن أو فأمره أنه غفور. قيل: إن الآية نزلت في عمر حين أشار بإجابة الكفرة إلى ما طلبوا ولم يعلم أنها مفسدة. وَكَذلِكَ أي كما فصلنا في هذه السورة دلائلنا على التوحيد والنبوة والقضاء والقدر نُفَصِّلُ الْآياتِ ونميزها لك في تقرير كل حق ينكره أهل الباطل وليستبين معطوف على محذوف كأنه قيل:
ليظهر الحق وليستبين، أو معلق بمحذوف أي وليستبين سبيل المجرمين فصلنا ذلك التفصيل البين. من رفع «السبيل» قرأ ليستبين بالياء أو بالتاء لأن السبيل يذكر ويؤنث، ومن نصب السبيل قرأ لِتَسْتَبِينَ بتاء الخطاب مع الرسول يقال: استبان الأمر وتبين واستبنته وتبينته واستبانة سبيل المجرمين تستلزم استبانة طريق المحقين، فلذلك اقتصر على أحدهما كقوله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] ولم يذكر البرد. وإنما ذكر المجرمين دون المحقين لأن طريق الحق واحد والمجرمون أصناف يشتبه أمرهم، فمنهم من هو مطبوع على قلبه، ومنهم من يرجى فيهم قبول الإسلام، ومنهم من دخل في الإسلام إلا أنه لا يحفظ حدوده فينبغي أن يستوضح سبيلهم ليعامل كلا منهم بما يجب، ومن جملة ذلك أنه نهى عن عبادة معبوداتهم وذلك قوله قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أي صرفت بالدلائل العقلية والسمعية أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ تعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ لأن عبادة المصنوع والمخلوق محض التقليد وعين الهوى قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أثبت الضلال


الصفحة التالية
Icon