ومولده، كما ذكره هو في شرحه على البردة، ليلة الاثنين رابع عشر ربيع الأول عام ستة وستين وسبعمائة.
وقال تلميذه الإمام الثعالبي: وقدم علينا بتونس شيخنا أبو عبد الله بن مرزوق، فأقام بها وأخذت عنه كثيرا، وسمعت عليه جميع «الموطأ» بقراءة صاحبنا أبي حفص عمر ابن شيخنا محمد القلشاني، وختمت عليه «أربعينيات النووي» قراءة عليه في منزلة قراءة تفهم، فكان كلما قرأت عليه حديثا يعلوه خشوع وخضوع، ثم أخذ في البكاء، فلم أزل أقرأ وهو يبكي حتى ختمت الكتاب، وهو من أولياء الله تعالى الذين إذا رأوا ذكر الله.
وأجمع الناس على فضله من «المغرب» إلى الديار المصرية، واشتهر فضله في البلاد، فكان بذكره تطرز المجالس، جعل الله حبه في قلوب العامة والخاصة، فلا يذكر في مجلس إلا والنفوس متشوقة لما يحكى عنه، وكان في التواضع والإنصاف والاعتراف بالحق في الغاية وفوق النهاية، لا أعلم له نظيرا في ذلك في وقته فيما علمته.
وقال أيضا في موضع آخر: هو سيدي الشيخ الإمام، الحبر الهمام، حجة أهل الفضل في وقتنا وخاتمتهم، ورحلة النقاد وخلاصتهم، ورئيس المحققين.
توفي يوم الخميس عصر رابع عشر شعبان عام اثنين وأربعين وثمانمائة، وصلّى عليه بالجامع الأعظم بعد صلاة الجمعة، حضر جنازته السلطان فمن دونه، لم أر مثله قبله، وأسف الناس لفقده، وآخر بيت سمع منه عند موته: [البسيط]

إن كان سفك دمي أقصى مرادكم فما غلت نظرة منكم بسفك دمي
وقد سمع الثعالبي منه بعد عودته من رحلته إلى تونس.
٤- أبو القاسم بن أحمد بن محمد المعتل البلوي، القيرواني، ثم التونسي، الشهير بالبرزلي، الإمام المشهور «١»، نزيل «تونس» :
مفتيها، وفقيهها، وحافظها، العلّامة، أحد الأئمة في المذهب المالكي صاحب «الديوان» في الفقه والنوازل، من كتب المذهب الأجلة، أجاد فيه ما شاء، كان- رحمه الله- إماما علامة، بارعا، حافظا للفقه متفقها فيه، بحاثا نظارا مستحضرا للفقه، أخذ عن جماعة، وفي بعض إجازاته ما ملخصه أنه قرأ على الفقيه المحدث الراوية الخطيب أبي عبد الله بن مرزوق شيئا من الصحيحين، والشاطبيتين، وتكملة القيجاطي، والدرر
(١) ينظر ترجمته في: «شجرة النور الزكية» (٢٤٥)، و «نيل الابتهاج» (٣٦٨).


الصفحة التالية
Icon