وقال بعض العلماء: المتفكِّر في ذاتِ اللَّهِ كَالنَّاظر في عَيْنِ الشمْسِ لأنه سبحانه لَيْسَ كمثله شيء، وإنما التفكُّر وانبساط الذِّهْن في المخلوقاتِ، وفي أحوالِ الآخِرَةِ، قال رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: «لاَ عِبَادَةَ كَتَفَكُّرٍ» «١» وقال ابن عبَّاس، وأبو الدَّرْدَاء: فكْرَةُ ساعَةٍ خيُرٌ من قيامِ لَيْلَةٍ «٢»، وقال سَرِيٌّ السَّقطِيُّ «٣» : فكرةُ ساعةٍ خَيْرٌ من عبادة سَنَةٍ، ما هو إلاَّ أنْ تحلَّ أطناب خَيْمَتِكَ، فَتَجْعَلها في الآخِرَةِ «٤»، وقال الحَسَنُ بْنُ أَبي الحَسَن: الفكْرةُ مِرآةُ المُؤْمنِ/، ينظر فيها إلى حسنَاتهِ وسيِّئاته «٥»، وأخذ أبو سليمان الدَّارانِيُّ «٦» قَدَح الماء ليتوضَّأ لصلاة الليلِ، وعنده ضيْفٌ، فرآه لما أدخَلَ أصبعه في أُذُنِ القَدَح، أقام كذلك مفكِّراً حتى طلع الفَجْر، فقال له: ما هذا يَا أبا سليمان؟ فَقَالَ: إني لما طَرَحْتُ أصبعي في أُذُنِ القَدَحِ، تذكَّرت قول اللَّه سُبْحَانه: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ [غافر: ٧١]،

(١) أخرجه الطبراني في «الكبير» (٣/ ٦٦- ٦٨) رقم (٢٦٨٨) من طريق أبي رجاء الحبطي محمد بن عبد الله: ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٢٨٣)، وقال: رواه الطبراني، وفيه أبو رجاء الحبطي، واسمه محمد بن عبد الله، وهو كذاب.
(٢) أخرجه أبو نعيم في «الحلية» (١/ ٥٠٩)، والبيهقي في «الشعب» (١/ ١١٨) كلاهما عن أبي الدرداء. كما أخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (١/ ٢٩٧- ٢٩٨) برقم (٤٢)، وذكره الديلمي في «مسند الفردوس» (٢/ ١١٠) برقم (٢٢١٦) عن ابن عباس، وفي طريق ابن عباس «ليث بن أبي سليم» وهو ضعيف. والأثر ذكره السيوطي في «الدر» (٢/ ١٩٥)، وعزاه لأبي الشيخ في «العظيمة». [.....]
(٣) سري بن المغلس السقطي، أبو الحسن: من كبار المتصوفة. بغدادي المولد والوفاة. وهو أول من تكلم في «بغداد» بلسان التوحيد وأحوال الصوفية، وكان إمام البغداديين وشيخهم في وقته. وهو خال الجنيد، وأستاذه. قال الجنيد: ما رأيت أعبد من السريّ، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤي مضطجعا إلا في علة الموت. من كلامه: «من عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز» توفي سنة ٢٥٣.
ينظر: «الأعلام» (٣/ ٨٢)، و «الوفيات» (١/ ٢٠٠)، و «صفة الصفوة» (٢/ ٢٠٩).
(٤) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٥٥٥).
(٥) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٥٥٥).
(٦) عبد الرّحمن بن سليمان بن أبي الجون العنسيّ الدمشقيّ، محدّث رحّال.
روى عن: ليث، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وابن أبي خالد، والأعمش، وعمرو بن شراحيل الدّاراني.
وعنه: إسماعيل بن عيّاش من أقرانه، ومحمد بن عائذ، وأبو توبة الحلبي، وصفوان بن صالح، وهشام بن عمّار، وجماعة.
وثّقه دحيم وقال أبو حاتم: لا يحتج به. توفي سنة نيف وتسعين ومائة.
ينظر ترجمته في: «التاريخ الكبير» (٥/ ٢٨٩). ، و «ميزان الاعتدال» (٢/ ٥٦٧)، و «سير أعلام النبلاء» (١٠/ ١٨٦)، و «تهذيب التهذيب» (٦/ ١٨٨- ١٨٩).


الصفحة التالية
Icon