[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٤ الى ١٧]

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧)
وقوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ... الآيةُ: هذه الآيةُ ابتداءُ وعظٍ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توبيخٌ، والشهواتُ ذميمةٌ، واتباعها مُرْدٍ، وطاعتها مهلكة، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ» «١»، فَحَسْبُكَ أَنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِهَا، فمَنْ واقعها، خلص إِلى النَّار، قلْتُ: وقد جاءت إحاديثٌ/ كثيرةٌ في التزْهِيدِ في الدنيا، ذكَرْنا من صحيحها وحَسَنِهَا في هذا المُخْتَصَرِ جملةً صالحةً لا توجد في غيره من التَّفَاسير، فعلَيْكَ بتحصيله، فتَطَّلعَ فيه على جواهرَ نفيسةٍ، لا توجَدُ مجموعةً في غيره كما هي بحَمْدِ اللَّه حاصلةٌ فيه، وكيف لا يكونُ هذا المختصر فائقاً في الحُسْن، وأحاديثه بحَمْد اللَّه مختارةٌ، أكثرها من أصولِ الإسلامِ الستَّةِ: البخاريِّ، ومسلمٍ، وأبي داود، والتِّرمذيِّ، والنَّسائِيِّ، وابنِ مَاجَة، فهذه أصول الإِسلام، ثم مِنْ غيرها كصحيح ابن حِبَّانَ، وصحيح الحاكمِ، أعني: «المُسْتَدْرَكَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»، وأَبِي عَوَانَةَ، وابْنِ خُزَيْمَةَ، والدَّارِمِيِّ، وَالمُوَطَّإِ، وغيرِها من المسانيدِ المشهورةِ بيْن أئمَّة الحديثِ حَسْبما هو معلومٌ في علْمِ الحديث، وقصْدِي من هذا نُصْحُ من اطلع على هذا الكتاب أنْ يعلم قَدْرَ ما أنعم اللَّه به علَيْه، فإِن التحدُّث بالنعم شُكْر، ولنرجَعْ إلى ما قصدناه من نقل الأحاديث:
(١) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٧٤)، كتاب «الجنة»، باب صفة نعيمها، حديث (١/ ٢٨٢١)، والترمذي (٤/ ٦٩٣)، كتاب «صفة الجنة»، باب ما جاء: حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، حديث (٢٥٥٩)، وأحمد (٣/ ١٥٣، ٢٥٤، ٢٨٤)، وأبو يعلى (٦/ ٣٣) رقم (٣٢٧٥)، وابن حبان (٧١٦، ٧١٨)، والبيهقي في «الشعب» (٧/ ١٤٧) رقم (٩٧٩٥). والخطيب في «تاريخ بغداد» (٨/ ١٨٤)، والبغوي في «شرح السنة» (٧/ ٣٣١- بتحقيقنا)، من حديث أنس بن مالك به مرفوعا.
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
وله شاهد من حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري (١١/ ٣٢٧) كتاب «الرقاق»، باب حجبت النار بالشهوات، حديث (٦٤٨٧)، ومسلم (٤/ ٢١٧٤)، كتاب «الجنة»، حديث (١/ ٢٨٢٣)، وأحمد (٢/ ٢٦٠)، وابن حبان (٧١٩). كلهم من طريق أبي الزِّنَادِ، عن الأعرج، عن أبي هريرة به.
وعند البخاري: «حجبت» بدلا من «حفت».
وأخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (٥٦٧)، من طريق مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة به.


الصفحة التالية
Icon