إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ، وإذا أتَتْ بفاحشةٍ، فليس للوليِّ حَبْسُهَا حتَّى يذهب بمالِهَا إجماعاً من الأُمَّة، وإنما ذلك للزَّوْج على ما سنبيِّنه الآن (إن شاء اللَّه)، وكذلك قوله:
عاشِرُوهُنَّ... إلى آخر الآية، يظهر منه تقويةُ ما ذكرته.
واختلِفَ في معنى «الفَاحِشَةِ» هنا، فقال الحسَنُ بنُ أبي الحَسَن: هو الزِّنَا «١»، قال أبو قِلاَبَةَ: إذا زنَتِ امرأة الرجُلِ، فلا بأس أنْ يُضارَّها، ويَشُقَّ عليها حتى تَفْتَدِيَ منْه، وقال السُّدِّيُّ: إذا فعلْنَ ذلك، فَخُذُوا مهورَهُنَّ «٢».
قلْتُ: وحديثُ المتلاعنَيْن يضعِّف هذا القول لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «فَذَاكَ بِمَا استحللت مِنْ فَرْجِهَا... » الحديث «٣».
وقال ابنُ عبَّاس وغيره: الفاحشةُ في هذه الآية: البُغْضُ والنُّشُوز فإذا نَشَزَتْ، حلَّ له أنْ يأخذ مالَهَا «٤».
قال ع «٥» : وهو مذهبُ مالكٍ.
وقال قوم: الفاحشةُ: البَذَاء باللِّسان، وسوءُ العِشْرة قولاً وفعلاً، وهذا في معنَى النُّشُوز.
قال ع «٦» : والزنا أصعَبُ علَى الزَّوْج من النُّشُوز والأذى، وكُلُّ ذلك فاحشةٌ تُحِلُّ أَخْذَ المالِ.
وقوله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ: أمرٌ يعمُّ الأزواجَ والأولياءَ، ولكنَّ المتلبِّس في الأغلب بهذا الأمر الأزواجُ، والعِشْرَةُ: المخالطةُ والممازجة.
وقوله تعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً،
(٢) أخرجه الطبري (٣/ ٦٥٢) برقم (٨٨٩٨)، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٨).
(٣) سيأتي تخريج أحاديث اللعان في محلها، وهي في سورة «النور».
(٤) أخرجه الطبري (٣/ ٦٥٢) برقم (٨٩٠٠)، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٢٣٥)، وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.
(٥) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٨).
(٦) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٢٨).