بعْدَهَا، وهو مجزومٌ، و «جَاءَكُمْ» : معطوفٌ في موضع جزمٍ، واللام الداخلَةُ على «مَا» ليسَتِ المتلقِّية للقَسَمِ، ولكنها الموطِّئةُ المُؤْذِنَةُ بمجيءِ لامِ القَسَم، فهي بمَنْزِلَة اللاَّم في قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ [الأحزاب: ٦٠] لأنها مؤذِنَةٌ بمجيء المتلقِّية للقسم في قوله: لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ [الأحزاب: ٦٠] وكذلك هذه مؤذنةٌ بمجيء المتلقِّية للقَسَمِ في قوله:
«لَتُؤْمِنُنَّ».
وقرأ نافعٌ وحْده: «آتَيْنَاكُمْ»، بالنُّون، وقرأ الباقون: «آتَيْتُكُمْ» بالتاء «١»، ورَسُول في هذه الآية: اسمُ جنسٍ، وقال كثيرٌ من المفسرين هو نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وقوله تعالى: قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي... هذه الآية: هي وصْفُ توقيفِ الأنبياء- عليهم السلام- على إِقرارهم بهذا الميثاق، والتزامهم له، وَأَخَذْتُمْ في هذه الآية: عبارةٌ عمَّا تحصَّل لهم من إيتاء الكُتُبِ والحِكْمة، فَمِنْ حيْثُ أخذ عليهم، أخذوا هم أيضًا، وقال الطَّبَرِيُّ «٢» : أَخَذْتُمْ في هذه الآية: معناه: قَبِلْتُمْ، والإصْر: العَهْد لا تَفْسِير له في هذا الموضع إلا ذَلِكَ «٣».
وقوله تعالى: فَاشْهَدُوا يحتملُ معنَيَيْنِ:
أحدهما: فاشهدوا/ على أممكم المؤمنينِ بكُمْ، وعلى أنْفُسِكُمْ بالتزام هذا العَهْد، قاله الطَّبَرِيُّ، وجماعة «٤».
والمعنى الثاني: بُثوا الأمْرَ عنْد أممكم، واشهدوا به، وشهادةُ اللَّهِ على هذا التأويل هي إعطاء المُعْجَزَاتِ، وإقرارُ نبوّاتهم، هذا قول الزّجّاج وغيره «٥».

(١) وحجة نافع قوله تعالى: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً [الإسراء: ٥٥]، وقوله سبحانه: وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ [الصافات: ١١٧]، ونحوه.
ينظر: «حجة القراءات» (١٦٨)، و «السبعة» (٢١٤)، و «الحجة» (٣/ ٦٩)، و «معاني القراءات» (١/ ٢٦٥)، و «إعراب القراءات» (١/ ١١٦)، و «شرح شعلة» (٣١٩)، و «العنوان» (٨٠)، و «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٤٨٤). [.....]
(٢) ينظر: «الطبري» (٣/ ٣٣٢).
(٣) وأصل الإصر: الثّقل والشّدّ. والإصر- أيضا-: الذنب. والإصر- أيضا-: والأصر ما عطفك على شيء.
ينظر: «لسان العرب» (٨٦، ٨٧).
(٤) ينظر: «الطبري» (٣/ ٣٣٣).
(٥) ينظر: «معاني القرآن» (١/ ٤٣٧).


الصفحة التالية
Icon