طَرِّدْ، وأبْعِدْ، وخَوِّف. والشريدُ: المبعد عن وطَنٍ ونحوه، ومعنى الآية: فإِن أَسَرْتَ هؤلاءِ الناقضين في حربك لهم، فافعل بهم من النقمة ما يكُونُ تشريداً لمن يأتي خلْفَهم في مثْلِ طريقتهم، وعبارةُ البخاريِّ: «فَشَرَّدْ» فَرَّقَ. انتهى.
والضمير في لَعَلَّهُمْ عائدٌ على الفرقة المشرَّدة، وقال ابن عباس: المعنى: نكِّل بهم مَنْ خلفهم «١».
وقالَتْ فرقة: معناه: سَمِّعْ بهم، والمعنَى متقارب، ومعنى: خَلْفَهُمْ أي: بعدهم، ويَذَّكَّرُونَ، أيْ: يتعظون.
وقوله سبحانه: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً... الآية: قال أكثر المفسِّرين: إِن الآية في بني قُرَيْظة، والذي يظهر من ألفاظ الآية أنَّ أَمْرَ بني قريظة قد انقضى عند قوله: فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، ثم ابتدأ تبارَكَ وتعالَى في هذه الآية بما يَصْنَعُهُ في المستقبل، مع مَنْ يخافُ منه خيانةً إِلى آخر الدهر، وبَنُو قريظة لم يَكُونوا في حَدِّ مَنْ تُخَافُ خيانته، وقوله: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ، أي: أَلْقِ إِليهم عَهْدهم، وقوله: عَلى سَواءٍ، قيل: معناه: حتى يكونَ الأمْرُ في بيانِهِ والْعِلْمِ به، على سواءٍ منْكَ ومنهم فتكُونُونَ في استشعار الحَرْب سواءً، وذَكَرَ الفَرَّاء أن المعنَى: فانبذ إليهم على اعتدال وسواءٍ من الأمر، أي: بَيِّنْ لهم على قَدْر ما ظهر منهم، لا تُفَرِّطْ، ولا تَفْجَأْ بحربٍ، بل افعل بهم مِثْلَ ما فعلوا بك، يعني: موازنةً ومقايسةً، وقرأ نافع وغيره: «وَلاَ تَحْسَبَنَّ» - بالتاء- مخاطبةً للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وسَبَقُوا: معناه: فَاتُوا بأنفسهم وأنْجَوْهَا، إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ أي: لا يُفْلِتُونَ، ولا يُعْجِزُونَ طالبهم، ورُوِيَ أن الآية نزلَتْ فيمن أَفْلَتَ من الكفَّار في بَدْرٍ وغيره فالمعنى: لا تظنَّهم نَاجِينَ، بل هم مُدْرَكُون، وقرأ حمزة وغيره: «ولا يحسبنّ» - بالياء من تحت، وبفتح السين «٢».
[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٠]
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)
(٢) وقرأ بها ابن عامر وحفص عن عاصم.
ينظر: «السبعة» ص: (٣٠٧)، «الحجة» (٤/ ١٥٤- ١٥٥)، «حجة القراءات» (٣١٢)، «إعراب القراءات» (١/ ٢٣٠)، و «إتحاف» (٢/ ٨١- ٨٢)، و «معاني القراءات» (١/ ٤٤١)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٣٢٩)، و «العنوان» (١٠١).