وقوله سبحانه: إِنَّهُ يَراكُمْ... الآية زيادة في التحذير، وإعلام بأن الله عز وجل قد مَكَّنَ إبليس من بَني آدَمَ في هذا القدر، وبحسب ذلك يَجِبُ أن يكون التّحرّز بطاعة الله عز وجل وقَبِيلُ الشيطانُ يُرِيدُ نوعه، وصنفه، وذريته، والشيطان مَوْجُودٌ، وهو جسم.
قال النووي «١» : وروينا في كتاب ابن السّني عن أَنَسٍ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«ستر ما بين أَعْيُنِ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ إِذَا أَراد أن يطرح ثِيَابَهُ:
بسم اللَّه الذي لا إله إِلاَّ هُوَ»
«٢» انتهى.
وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ستر ما بين الجنِّ وعَوْرَاتِ بني آدَمَ إِذا دَخَلُوا الكُنُفَ أَن يقولوا: بسم اللَّه».
رواه الترمذي، وقال: إسناده ليس بالقَوِيِّ «٣».
قال النووي: قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُسْتَحَبُّ العَمَلُ في الفَضَائِلِ، والترغيب، والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً وأما الأحكام كالحَلاَلِ، والحرام، والبيع، والنكاح، والطلاق، وغير ذلك فلا يُعْمَلُ فيها إلا بالحديث الصحيح «٤»، أو الحسن «٥» إلا أن يكون في احْتِيَاطٍ في شيء من ذلك، كما إذا ورد حديث

(١) ينظر: «الأذكار» ص: (٥١).
(٢) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» برقم: (٢٧٤) من حديث أنس مرفوعا به.
(٣) أخرجه الترمذي (٢/ ٥٠٣- ٥٠٤) : كتاب «الصلاة»، باب: ما ذكر من التسمية عند دخول الخلاء، حديث (٦٠٦)، وابن ماجه (١/ ١٠٩) : كتاب «الطهارة»، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، حديث (٢٩٧) من حديث علي، وقال الترمذي: إسناده ليس بالقوي.
(٤) الصحيح: في اللغة فعيل بمعنى فاعل من الصحة، وهي ذهاب المرض والبراءة من كل عيب.
وفي اصطلاح المحدثين يختلف عند المتقدمين وعند المتأخرين.
أما عند المتقدمين فقال الخطابي: الصحيح: ما اتصل سنده وعدلت نقلته.
وأما الصحيح لذاته عند المتأخرين، فقال ابن الصلاح: هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذا ولا معللا.
والصحيح لغيره: هو الحديث الذي لم يكن صحيحا لذاته وارتقى إلى درجة الصحيح بجابر يجبر القصور فيه، وذلك هو الحديث الحسن لذاته إذا جبر بجابر بأن تقوى بمتابع أو شاهد مساو أو راجح أو بأكثر من طريق إن كان أدنى. وعليه فنقول إنه:
هو ما اتصل سنده بنقل عدل قلّ ضبطه عن الدرجة العليا للضبط وتوبع بطريق آخر مساو أو راجح أو بأكثر من طريق إن كان أدنى وكان غير شاذ ولا معل.
ينظر: «غيث المستغيث» ص: (٣٢، ٣٣، ٣٥).
(٥) الحسن: في اللغة الجمال، والحسن الجميل.


الصفحة التالية
Icon