ففي الصحيح، بأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال في هذه الغزوة بعينها: «إِنَّ بِالمَدِينَةِ قَوْماً مَا سَلَكْتُمْ وَادِياً وَلاَ قَطَعْتُمْ شِعْباً إلّا وهم معكم حبسهم العذر» «١» انتهى.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٢٢]
وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)
وقوله سبحانه: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً... الآية: قالتْ فرقة: إِن المؤمنين الذين/ كانوا بالبادية سكَّاناً ومبعوثين لتعليم الشَّرْع، لما سمعوا قولَ اللَّهَ عَزَّ وجلَّ: مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ... الآية [التوبة: ١٢٠]، أهمّهم ذلك، فنفروا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خشية أنْ يكونُوا عُصَاةً في التخلُّف عن الغَزْوِ، فنزلَتْ هذه الآية في نَفْرِهِمْ ذلك.
وقالتْ فرقة: سَبَبُ هذه الآية أن المنافقين، لما نزلَتِ الآيات في المتخلِّفين، قالوا:
هَلَكَ أَهْلُ البوادِي، فنزلَتْ هذه الآية مقيمةً لعُذْرِ أهل البوادي.
قال ع «٢» : فيجيء قوله: مَا كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ:
عمومٌ في اللفظ، والمراد به في المَعنَى الجمهورُ والأكْثَرُ، وتجيءُ هذه الآية مبيِّنة لذلك.
وقالتْ فرقةٌ: هذه الآية ناسِخَةٌ لكُلِّ ما ورد من إِلزام الكافَّة النَّفير والقِتَال، وقال ابنُ عبَّاس ما معناه: أَنَّ هذه الآية مختصَّة بالبعوثِ والسَّرايا «٣» والآية المتقدِّمة ثابتةُ الحُكْم مع خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغَزْو، وقَالَتْ فرقةٌ: يشبه أنْ يكون التفقّه في الغزو وفي

(١) أخرجه مسلم (٣/ ١٥١٨) كتاب «الإمارة» باب: ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر، حديث (١٥٩/ ١٩١١)، وابن ماجه (٢/ ٩٢٣) كتاب «الجهاد»، باب: من حبسه العذر عن الجهاد حديث (٢٧٦٥)، وأحمد (٣/ ٣٠٠) وأبو يعلى (٤/ ١٩٣) رقم (٢٢٩١) كلهم من طريق الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر مرفوعا.
وله شاهد من حديث أنس بن مالك. أخرجه البخاري (٧/ ٧٣٢) كتاب «المغازي» باب: نزول النبي صلّى الله عليه وسلّم الحجر، حديث (٤٤٢٣)، ومسلم (٣/ ١٥١٨) كتاب «الإمارة» باب: ثواب من حبسه عن الغزو مرض، حديث (٥٩/ ١٩١١)، وأحمد (٣/ ١٠٣)، وابن ماجه (٢/ ٩٢٣)، كتاب «الجهاد»، باب: من حبسه العذر عن الجهاد حديث (٢٧٦٤)، وأبو يعلى (٦/ ٤٥٠- ٤٥١) رقم: (٣٨٣٩)، والبغوي في «شرح السنة» (٥/ ٥٢٤- بتحقيقنا). [.....]
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٩٦).
(٣) أخرجه الطبري (٦/ ٥١٤) برقم: (١٧٤٨٥) نحوه، وذكره ابن عطية (٣/ ٩٦- ٩٧)، والبغوي في «تفسيره» (٢/ ٣٣٩) نحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٢١) نحوه، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «المدخل».


الصفحة التالية
Icon