كافٍ، وَمِنْ أراد استيفاء هذا القصص، فليطالِعِ الطبريَّ «١».
قال ع «٢» : وبلادُ ثَمُود هِيَ بَيْنَ الشامِ والمدينة، وهي التي مَرَّ بها رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم مع المسلمين في غَزْوَةِ تَبُوك «٣» فقال: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلاَّ أَنَّ تَكُونُوا بَاكينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ، ثُمَّ اعتجر «٤» بِعمامَةٍ»، وَأَسْرَعَ السَّيْرَ، حتى جَازَ الوادي صلّى الله عليه وسلّم.
ت: ولفظُ البخاريِّ: ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ، وَأَسْرَعَ السّير... الحديث «٥».

(١) ينظر: الطبري في «تفسيره» (٥/ ٥٣٠، ٥٣١).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٢٢). [.....]
(٣) «غزوة تبوك» : في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة- لما رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من حصار الطائف إلى المدينة بلغه أن هرقل ملك الروم ومن عنده من متنصرة العرب قد حشدوا له جمعا كثيرا يريدون غزوة في عقر داره، فأراد أن يلاقيهم على حدود بلادهم قبل أن يغشوه على غرة، فسار بجيشه حتى وصل تبوك، وكانت الروم قد بلغها أمر هذا الجيش وقوته، فآثرت الانسحاب بجيشها، لتتحصن في داخل بلاد الشام، فرأى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن من الحكمة ألا يتبعهم داخل بلادهم، فلم يتبعهم. وهناك جاءه يوحنا بن رؤبة، فصالحه على الجزية كما صالحه أهل «جرباء» وأهل «أذرح» من بلاد الشام، وأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب «دومة الجندل»، فأتى به خالد أسيرا بعد أن قتل أخاه، فحقن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دمه، وصالحه على الجزية وأخلى سبيله. وأقام بضع عشرة ليلة لم يقدم عليه الروم ولا العرب المتنصرة فعاد إلى المدينة.
ولما بلغ ملك الروم ما فعله يوحنا أمر بقتله، وصلبه عند قريته. لم يكن من المعقول بعد ذلك أن يتهاون المسلمون فيما أصابهم من قتل رسولهم وأبطالهم ومعاهدهم الذي آمنوه على نفسه وماله بأخذ الجزية، وإعطاء العهد، كما أنه لم يكن معقولا أن الروم بعد أن رأوا حضور المسلمين للقصاص يكفون عن مناجزتهم والإيقاع بهم أينما وجدوا لذلك سبيلا.
لهذا عاد النبي صلّى الله عليه وسلّم في آخر حياته إلى تجهيز جيش آخر تحت إمرة أسامة بن زيد، ولكن لم يكد يتم أمره حتى قبض الرسول صلوات الله عليه، وانتقل إلى الرفيق الأعلى، وتولى أمر المسلمين بعده صاحبه أبو بكر، فارتأى رضي الله عنه أن الحزم في إنفاذ هذا الجيش حتى لا يطمع في الإسلام أعداؤه، ويتألب عليه خصومه، وتوالت بعد ذلك حروب الروم حتى فتح المسلمون بلادهم في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بعد نضال عنيف، وحروب كثيرة.
(٤) الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه، ويردّ طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.
ينظر: «النهاية» (٣/ ١٨٥).
(٥) أخرجه البخاري (٧/ ٧٣١) كتاب «المغازي» باب: نزول النبي صلّى الله عليه وسلّم الحجر، حديث (٤٤١٩)، ومسلم (٤/ ٢٢٨٦) كتاب «الزهد والرقائق» باب: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، حديث (٣٩/ ٢٩٨٠)، وأبو يعلى (٩/ ٤٢٥) رقم (٥٥٧٥) كلهم من طريق الزهري عن سالم، عن أبيه. وأخرجه البخاري (٧/ ٧٣١) كتاب «المغازي» باب: نزول النبي صلّى الله عليه وسلّم الحجر، حديث (٤٤٢٠)، ومسلم (٤/ ٢٢٨٥) كتاب «الزهد والرقائق» باب: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم، حديث (٣٨/ ٢٩٨٠)، -


الصفحة التالية
Icon