وقوله عز وجل: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ التقدير: والوزن الحق ثابت، أو ظاهر يومئذٍ، أي يوم القيامة.
قال جمهور الأمّة: إنّ الله عز وجل أراد أن يبين لعباده أن الحِسَابَ والنظر يوم القِيَامَةِ هو في غَايَةِ التحرير، ونهاية العَدْلِ بأَمْرٍ قد عرفوه في الدُّنْيَا، وعهدته أفهامهم، فميزان القِيَامَةِ له عمود وَكِفَّتَانِ على هيئة مَوَازِينِ الدنيا، جَمَع لفظ «المَوَازِين» إذ في الميزان مَوْزُونَاتٌ كثيرة، فكأنه أراد التَّنْبِيه عليها.
قال الفخر «١» : والأظْهَرُ إثبات مَوَازِينَ في يوم القيامة لا ميزان واحدِ، لظواهر الآيات، وحمل الموازين على الموزونات، أو على الميزان الواحد يوجبان العُدُولَ عن ظَاهِرِ اللفظ، وذلك إنما يُصَارُ إليه عند تَعَذُّرِ حَمْلِ الكلام على ظَاهِرِهِ، ولا مانع هاهنا منه، فوجب إِجْرَاءُ اللفظ على حقيقته، فكما لم يمتنع إثبات مِيزانٍ له كِفَّتان، فكذلك لا يمتنع إِثْبَاتُ موازين بهذه الصِّفَةِ، وما الموجب لتَرْكِهِ، والمصير إلى التأويل. انتهى. قال أبو حَيَّان «٢» : موازينه جُمِعَ باعتبار المَوْزُونَاتِ «٣»، وهذا على مذهب الجمهور في أن الميزَانَ واحد.
وقال الحسن: لكل واحدِ ميزَانٌ «٤»، فالجمع إذن حَقِيقَةٌ انتهى.
والآيات هُنَا البَرَاهِينُ والأوامر والنواهي.
وقوله سبحانه: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ... الآية خطاب لجميع الناس، والمعايش: بكسر الياء دون هَمْزٍ جمع معيشة، وهي لفظة تعمُّ جَمِيعَ المأكول الذي يُعَاشُ به، والتحرف الذي يُؤَدِّي إليه، وقَلِيلًا نصب ب تَشْكُرُونَ ويحتمل أن تكون مَّا مع الفعل بتأويل المصدر، وقَلِيلًا نعت لِمَصْدَرٍ محذوف، تقديره: شكراً قليلاً شكركم، أو شكرا قليلا تشكرون.

(١) ينظر: «تفسير الرازي» (١٤/ ٢٣).
(٢) ينظر: «البحر المحيط» (٤/ ٢٧١).
(٣) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٧٦) بنحوه.
(٤) ذكره ابن عطية (٢/ ٣٧٦) بنحوه.


الصفحة التالية
Icon