وقرأ أَبو عمرو «١» ونافعٌ بخلاف عنه «لِيَهَبَ» «٢».
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣)
قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا، والبغي: الزانية، وروي: أن جبريلَ- عليه السلام- حين قاولها هذه المقاولة، نفخ في جيب دِرْعها فسرت النفخة بإذن الله تعالى حتَّى حملت منها قاله وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وغيرُهُ «٣».
وقال أُبيُّ بنُ كَعْبٍ «٤» : دخل الروح المنفوخُ من فمها فذلك قوله تعالى:
فَحَمَلَتْهُ أي: فحملت الغلام، ويذكر أَنها كانت بنت ثلاث عشرة سنة، فلمَّا أحسَّت بذلك، وخافت تعنيفَ الناس، وأَن يُظنَّ بها الشَّرُ انْتَبَذَتْ
أيْ: تنحت مكاناً بعيداً حياء وفرارا على وجهها، وفَأَجاءَهَا معناه: اضطرّها، وهو تعدية [جاء] بالهمزة.
والْمَخاضُ: الطّلْقُ، وشدةُ الولادة، وأَوْجَاعُها، وروي: أَنّها بلغت إلى موضعٍ كان فيه جِذْع نخلة بالٍ يابس، في أَصْله مِذْود بقرة، على جرية ماء، فاشتدَّ بها الأَمْرُ هنالك، واحتضنت الجِذْع لشدة الوجع، وولدت عيسى عليه السلام فقالت عند ولادتها لما رأته من صعُوبة الحال من غير ما وجه: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا فتمنت الموتَ من جهة الدّين أَن يُظَنّ بها الشر، وخوفَ أَن تُفْتَتَن بتعْيِير قومها، وهذا مُباحٌ وعلى هذا الحدّ تمناه عمر- رضي الله عنه-.

(١) وأما قراءتهما، فإنهما أسندا الفعل إلى ضمير «ربك»، فكأنه قال: «ليهب الله «أو ربك» لك»، ولم يكن جبريل الذي يهب بل الله سبحانه.
وأما قراءة الباقين، فقد أسندوا الفعل للمتكلم، والهبة لله سبحانه، ومنه أمر الرسول والوكيل قد يسندان هذا النحو إلى أنفسهم وان كان الفعل للمرسل والموكل.
ينظر: «السبعة» (٤٠٨)، و «الحجة» (٥/ ١٩٥)، و «اعراب القراءات» (٢/ ١٤)، و «معاني القراءات» (٢/ ١٣٢)، و «حجة القراءات» (٤٤٠) و «شرح الطيبة» (٥/ ٣٠)، و «العنوان» (١٢٦)، و «شرح شعلة» (٤٨٥)، و «إتحاف» (٢/ ٢٣٤).
(٢) في ج: لأهب. [.....]
(٣) أخرجه الطبريّ (٨/ ٣٢٢) برقم (٢٣٥٩١)، وذكره ابن عطية (٤/ ١٠).
(٤) ذكره ابن عطية (٤/ ١٠)، والبغوي (٣/ ١٩٢).


الصفحة التالية
Icon