وَكُنْتُ نَسْياً أيْ: شَيْئاً مَتْرُوكاً محتقراً، والنَّسِيُّ في كلام العرب الشيءُ الحقير الذي شأنه أَن يُنْسَى، فلا يُتَأَلَّمُ لفقده كالوتد، والحبل للمسافر، ونحوه.
وهذه القصةُ تقتضي أَنها حملت واستمرَّت حامِلاً على عُرْف البشر، واستحْيَتْ من ذلك ومرّت بسببه، وهي حاملٌ، وهو قولُ جمهور المتأوِّلين.
وروى عن ابن عباسٍ أَنه قال: ليس إلا أَن حملت، فوضعت في ساعةٍ واحدة والله أعلم «١».
وظاهر قوله: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ أنها كانت على عرف النساء.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٤ الى ٢٨]
فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨)
وقولُهُ سبحانه: فَناداها مِنْ تَحْتِها قرأ ابنُ كَثِير، وأبو عَمْرو، وابن عامرٍ، وعَاصِمٌ «٢» :«فناداها مَنْ تحتها» على أَن «مَنْ» فاعل بنادى، والمراد بِ «مَنْ» عيسى قاله مجاهدٌ، والحسنُ، وابن جبير، وأبي بن كعب «٣».
(٢) إنما قرأها عاصم هكذا من رواية أبي بكر، وإلا فهي من رواية حفص المشهورة مثل الباقين «من تحتها».
وحجة هؤلاء أنه روي عن أبيّ قال: الذي خاطبها هو الذي حملته في جوفها.
وحجة الباقين ما روي عن ابن عباس أنه قال: «من تحتها» : جِبْرِيلُ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.
ينظر: «السبعة» (٤٠٨- ٤٠٩)، و «الحجة» (٥/ ١٩٧)، و «إعراب القراءات» (٢/ ١٦)، و «معاني القراءات» (٢/ ١٣٣)، و «شرح الطيبة» (٥/ ٣٢)، و «العنوان» (١٢٦)، و «شرح شعلة» (٤٨٥)، و «حجة القراءات» (٤٤١)، و «إتحاف» (٢/ ٢٣٥).
(٣) أخرجه الطبريّ (٨/ ٣٢٧) عن مجاهد برقم (٢٣٦٢٦)، والحسن برقم (٢٣٦٣١)، وابن جبير برقم (٢٣٦٣٣)، وأبي بن كعب (٢٣٦٣٥)، وذكره ابن عطية (٤/ ١١)، والبغوي (٣/ ١٩٢) عن مجاهد والحسن، وابن كثير (٣/ ١١٧) عن مجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، والسيوطي (٤/ ٤٨٢) وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد.
والثاني: عزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن.
والثالث: عزاه لابن المنذر عن أبي بن كعب.