واحتجَّ الطَّبِرِيُّ «١»، ومَكّي لهذا القول بأَن عُمَر رضي الله عنه قرأ سُورةٍ مريم، فسجد ثُمَّ قال: هذا السُّجُودُ، فأَيْنَ البُكَى «٢» ؟ يَعْنِي: البُكَاء.
قال ع «٣» : ويحتمل أَن يريد عُمر رضي الله عنه فأَين البَاكُون؟ وهذا الذي ذكروه عن عُمَر، ذكره أَبُو حَاتِمٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم.
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥٩ الى ٦٣]
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣)
وقوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ... الآية، الخَلْفُ، -[بسكون] «٤» اللام- مُسْتعمل إذا كان الآتي مَذْمُوماً هذا مشهورُ كَلامِ العَرَبِ، والمرادُ بالخلْف: مَنْ كفر وعَصَى بعدُ مِنْ بني إسرائيل، ثم يتناول معنى الآية مَنْ سِوَاهُم إلَى يوم القيامة، وإضاعة الصّلاة بترْكِهَا وبجحْدِها، وبإضاعة أَوْقَاتِهَا.
وروى أَبُو دَاوُدَ الطيالسي في «مسنده» بسنده عن عُبَادَةَ بنِ الصّامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا أَحْسَنَ الرَّجُلُ الصَّلاَةَ، فَأَتَمَّ رُكُوعَهَا، وَسُجُودَهَا، قَالَتِ الصَّلاَةُ:
حَفِظَكَ اللهُ كَمَا حَفِظْتَنِي، وَتُرْفَعُ، وإذَا أَسَاءَ الصَّلاَةَ فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا، وَلاَ سُجُودَهَا، قَالَتِ الصَّلاَةُ: ضَيَّعَكَ اللهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي، وَتُلَفُّ كَمَا يُلَفُّ الثَّوْبُ الخَلقُ، فَيُضْرَبُ بِهَا وَجْهُهُ»
. انتهى «٥» من «التذكرة»، والشَّهَوَاتُ: عُمُومُ، والغَيُّ: الخسران قاله ابن زيد «٦».

(١) ينظر: «الطبريّ» (٨/ ٣٥٤) برقم: (٢٣٧٧٧).
(٢) أخرجه الطبريّ (٨/ ٣٥٤) برقم: (٢٣٧٧٧)، وذكره ابن عطية (٤/ ٢٢)، وابن كثير (٣/ ١٢٧)، والسيوطي (٤/ ٤٩٨)، وعزاه لابن أبي الدنيا في «البكاء»، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن عمر بن الخطاب.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٢).
(٤) في ب سقط.
(٥) أخرجه أبو داود الطيالسي (١/ ٦٦، ٦٧- منحة) برقم: (٢٥٤) من طريق خالد بن معدان عن عبادة بن الصامت به. وذكره الهندي في «كنز العمال» (١٩٠٥٤)، وعزاه للطبراني، والبيهقي في «شعب الإيمان». [.....]
(٦) أخرجه الطبري (٨/ ٣٥٧) برقم: (٢٣٧٩٨)، وذكره ابن عطية (٤/ ٢٣).


الصفحة التالية
Icon