لَهُمْ لقريشٍ وسبب الآيةِ أن الكفارَ لمَّا أسلمَ حواشِيهم مِنَ الموالي وغيرِهِمْ، والمستضعفين، قطعوا عنهم نَفَقَاتِهم وصِلاَتِهم، وكان الأمرُ بمكةَ أوَّلاً فيه بعض الاتِّصَال في وقت نزول آيات المُوَادَعَةِ، فَنَدَبَ أولئك المؤمنونَ قَرَابَاتِهم من الكفارِ، إلى أَنْ يَصِلُوهُمْ ويُنْفِقُوا عليهم، مِمَّا رَزَقَهُم اللَّه فقالوا عند ذلك: أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ.
وقالتْ فرقة: سبب الآيةِ أنَّ قريشاً شَحَّتْ بِسَبَبِ أزمةٍ على المساكينِ جميعا مؤمن وغير مؤمن، فندبهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى النَّفَقَةِ على المساكينَ، وقولهُم يَحْتَمِلُ معنيين:
أحدهما: يخرَّج على اختيارٍ لجُهَّالِ العَرَبِ، فَقَد رُوِيَ أن أعْرَابِيًّا كان يرعى إبله فيجعلُ السّمان في الخضب، والمَهَازِيلَ في المَكَانِ الجَدْبِ، فقيل له في ذلك فقال: أكْرِمُ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ وأهين ما أهانَ اللَّهُ، فيخرَّج قولُ قريشٍ على هذا المعنى، ومن أمثالهم: «كُنْ مَعَ اللَّهِ عَلَى المدبِرِ».
والتأويل الثاني: أن يكونَ كلامُهم بمعنى الاستهزاء بقول محمّد ع: إنَّ ثَمَّ إلها هو الرزَّاقُ، فكأنهم قالوا: لِمَ لاَ يَرْزُقُهم إلهك الذي تزعم، أي: نحن لا نطعم من لو يشاء هذا الإله الذي زعمْتَ، لأطْعَمَهُ.
وقوله تعالى: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يكونَ من قول الكَفَرَةِ للمؤمنين، أي: في أمركم لنا بالنفقةِ وفي غير ذلكَ من دينكم، ويحتملُ أن يكون من قولِ اللَّهِ تعالى للكفرةِ. وقولهم: مَتى هذَا الْوَعْدُ أي: متى يوم القيامة.
وقيل: أرادوا: متى هذا العذاب الذي تتهدّدنا به، وما يَنْظُرُونَ أي: يَنْتَظِرُونَ، و «ما» نافيةٌ، وهذه الصيحةُ هي صيحةُ القيامةِ وهي النَّفْخَةُ الأولَى، وفي حديثِ أبي هريرةَ «١» أن بَعْدَهَا نَفْخَةَ الصَّعْقِ، ثم نَفْخَةَ الحَشْرِ، وهي التي تَدُومُ فَمَا لها مِنْ فَوَاقٍ، وأصل يَخِصِّمُونَ: يَخْتَصِمُونَ، والمعنى: وهم يَتَحَاوَرُونَ ويتراجعونَ الأَقْوَالَ بَيْنَهُمْ، وفي مُصْحَف أُبَيِّ بن كَعْبٍ «يختصمون» «٢»، وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ لإعجالِ الأمْرِ، بلْ تَفِيضُ أنفُسهم حيث ما أخذتهم الصيحة.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٤/ ٤٥٧)، و «البحر المحيط» (٧/ ٣٢٥)، و «الدر المصون» (٥/ ٤٨٧).