١٦- وفي قوله تعالى في الآية ٥٩ من سورة "آل عمران": ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ يعترض عبد الفاضي مؤكداً إنه "كان يجب أن يُعْتَبر المقام الذي يقتضي صيغة الماضي لا المضارع فيقول: قال له: كن، فكان" (ص ١١٠). وواضح إنه، لجهله وحرمانه من المقدرة على تذوق الأساليب الأدبية الرائعة وما تتميز به من مفاجأة القارئ أو السامع في كثير من الأحيان بما يهزّه ويوقظه ويخرجه من النزعة الآلية التي تستولي علينا من كثرة ما نرى الأمور تجري على وتيرتها المعهودة، يظن إنه لا يوجد إلا طريقة واحدة في التعبير عن كل معنى. وهذه طفولية لغوية وأدبية، وإلا فكيف فاته أن عبارة "كن، فيكون"، وإن استُعْمِلت هنا في الكلام غن خلق آدم في الماضي، فإنها تمثل مبدأ عاماً لا يتقيد بزمن، فأُبْقِيَتْ من ثَمّ على حالها التي وردت بها في المواضع الأخرى من القرآن الكريم، وكلها تقريباً مما لا يتقيد بزمن. فهذه نكتة بلاغية رهيفة لا يقدر على التقاطها بُلَداء الذهن والذوق. ثم هناك نكتة بلاغية أخرى مثلها رهافةً بحيث لا يستطيع سَمِيك العقل والوجدان أن يتنبه إليها، ألا وهي أن