تمام المعنى، "والأصح أن يستمر على خطاب المخاطب" (ص ١١١). وهذا يعني أن ذلك الجاهل يقيم من نفسه معياراً للصحة اللغوية والذوق البلاغي الرهيف، وهو الذي رأيناه يخطئ الأخطاء الفاحشة في أوَليات النحو. أليس ذلك من دواهي الزمن؟ من أين لهذا الجاهل (الذي لو كان الأمر بيدي لعهدت به إلى مدرس خصوصي وأوصيتُه أن يقوّم عوجه وبلادته بالخيزرانة) من أين له أن الالتفات لا ينبغي أن يُسْتَعْمل إلا إذا انتهت الجملة وبدأت جملة أخرى؟ لذلك لن أراد على هذا السخف وسأكتفي بإظهار المغزى البلاغي والنفسي لهذا الالتفات. والواقع أن في هذا الأسلوب تعبيراً عن الإعراض عن النخاطبين في الآية وإظهار للزراية والإنكار عليهم، فما أكثر ما يولَى الواحد منا صَفْحَهُ أو ظَهْرَه لمن لا يريد أن يستمر في الحديث معه احتقاراً له أو سخطاً عليه وما إلى ذلك، فهذا من ذاك.
وهناك شواهد على ذلك الأسلوب من الكتاب المقدس عند صويحبنا، مثل قول إخوة يوسف لفرعون: "جئنا لننزل بأرضك، إذ ليس لعبيدك مرعًى من اشتداد الجوع في ا {ض كنعان، فلْيُقِمْ عبيدك بأرض جاسان"، حيث ثم الالتفات من جماعة المتكلمين


الصفحة التالية
Icon