خطبة الكتاب
(بسم الله الرحمن الرحيم) ربّ يسّر وأعن الحمد لله الذي شرّفنا على الأمم بالقرآن المجيد، ودعانا بتوفيقه على الحكم إلى الأمر الرشيد، وقوّم به نفوسنا بين الوعد والوعيد، وحفظه من تغيير الجهول وتحريف العنيد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
أحمده على التوفيق للتحميد، وأشكره على التحقيق في التوحيد، وأشهد أن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، شهادة يبقى ذخرها على التأبيد، وأن محمّدا عبده ورسوله أرسله إلى القريب والبعيد، بشيرا للخلائق ونذيرا، وسراجا في الأكوان منيرا، ووهب له من فضله خيرا كثيرا، وجعله مقدّما على الكلّ كبيرا، ولم يجعل له من أرباب جنسه نظيرا، ونهى أن يدعى باسمه تعظيما له وتوقيرا، وأنزل عليه كلاما قرّر صدق قوله بالتحدي بمثله تقريرا، فقال: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً «١». فصلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأزواجه وأشياعه، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد لمّا كان القرآن العزيز أشرف العلوم، كان الفهم لمعانيه أو في الفهوم، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، وإني نظرت في جملة من كتب التفسير، فوجدتها بين كبير قد يئس الحافظ منه، وصغير لا يستفاد كل المقصود منه، والمتوسّط منها قليل الفوائد، عديم الترتيب، وربما أهمل فيه المشكل، وشرح غير الغريب، فأتيتك بهذا المختصر اليسير، منطويا على العلم الغزير، ووسمته ب «زاد المسير في علم التفسير».
وقد بالغت في اختصار لفظه، فاجتهد- وفّقك الله- في حفظه، والله المعين على تحقيقه، فما زال جائدا بتوفيقه.
فصل في فضل علم التفسير
(١) روى أبو عبد الرحمن السّلميّ، عن ابن مسعود قال: كنا نتعلّم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العشر، فلا
فذكره. والسلمي أحد تلامذة ابن مسعود، فهو المراد، وكأنه أراد أنه سمع مثل ذلك عن غير ابن مسعود حيث لم يسمه. وأخرجه الطبري ٨١ من وجه آخر عن أبي وائل عن ابن مسعود وإسناده صحيح على شرط مسلم.
__________
(١) الإسراء: ٨٨.