(٤٩٨) سبب نزولها: أن رؤساء مكة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، ما نرى أحداً يصدِّقُك بما تقول، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر ولا صفة، فأرنا من يشهد أنك رسول الله فنزلت هذه الآية رواه أبو صالح عن ابن عباس.
ومعنى الآية: قل لقريش: أيُّ شيء أعظم شهادة؟ فان أجابوك، وإلا فقل: الله، وهو شهيد بيني وبينكم على ما أقول. وقال الزّجّاج: أمره الله تعالى أن يحتجّ عليهم بأنّ شهادة الله عزّ وجلّ في نُبُوَّته أكبر شهادة، وأن القرآن الذي أتى به، يشهد له أنه رسول الله، وهو قوله: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ففي الإِنذار به دليل على نبوته، لأنه لم يأت أحد بمثله، ولا يأتي وفيه خبر ما كان وما يكون ووعد فيه بأشياء، فكانت كما قال. وقرأ عكرمة، وابن السميفع، والجحدري «وأَوحَى إليَّ» بفتح الهمزة والحاء «القرآن» بالنّصب فأمّا «الإنذار»، فمعناه: التّخويف، ومعنى وَمَنْ بَلَغَ أي: من بلغ إليه هذا القرآن، فإني نذير له. قال القرظي: من بلغه القرآن فكأنّما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وكلَّمه.
(٤٩٩) وقال أنس بن مالك: لما نزلت هذه الآية، كتب رسول الله ﷺ إلى كسرى وقيصر وكل جبار يدعوهم إلى الله عزّ وجلّ.
قوله تعالى: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى هذا استفهام معناه الانكار عليهم. قال الفراء: وإنما قال: «أُخرى» ولم يقل: «آخر» لأن الآلهة جمع والجمع يقع عليه التأنيث، كما قال:
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى «١». وقال: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى «٢».
[سورة الأنعام (٦) : آية ٢٠]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠)
قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، في الكتاب قولان: أحدهما: أنه التوراة والإِنجيل وهذا قول الجمهور. والثاني: أنه القرآن.
وفي هاء يَعْرِفُونَهُ ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترجع إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، قاله السدي.
(٥٠٠) وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لعبد الله بن سلام: إن الله قد أنزل على نبيه بمكة الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ، فكيف هذه المعرفة؟ فقال: لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني، ولأَنَا أشد معرفة بمحمّد ﷺ مني بابني. فقال عمر: وكيف ذاك؟ فقال: إني أشهد أنه رسول الله حقا، ولا أدري ما يصنع النساء «٣».

عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس وأبو صالح غير ثقة في ابن عباس وراويته هو الكلبي وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٢٤ عن الكلبي والكلبي ممن يضع الحديث، فالخبر لا شيء.
باطل، عزاه السيوطي في «الدر» ٣/ ١٢- ١٣ لأبي الشيخ وابن مردويه عن أنس، ولم أقف على إسناده وهو باطل لتفردهما به، ولأن السورة مكية وقد كتب النبي ﷺ إلى الملوك في العهد المدني وليس في مكة.
عزاه السيوطي في «الدر» ١/ ٢٧١ للثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس وهي رواية ساقطة. السدي هذا متروك متهم، والكلبي يضع الحديث. وورد من وجوه أخر واهية، لا تقوم بها حجة.
__________
(١) سورة الأعراف: ١٨١.
(٢) سورة طه: ٥٢. [.....]
(٣) أي ما أحدث النساء، فلعل الولد ليس من زوج المرأة.


الصفحة التالية
Icon