يبعدون. وفي هاء «عنه» قولان: أحدهما: أنها راجعة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم. والثاني: إلى القرآن.
قوله تعالى: وَإِنْ يُهْلِكُونَ أي: وما يهلكون إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بالتباعد عنه وَما يَشْعُرُونَ أنّهم يهلكونها.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٢٧]
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧)
قوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ في معنى «وقفوا» ستة أقوال. أحدها: حُبِسُوا عليها، قاله ابن السائب. والثاني: عُرِضُوا عليها، قاله مقاتل. والثالث: عاينوها. والرابع: وقفوا عليها وهي تحتهم. والخامس: دخلوا إليها فعرفوا مقدار عذابها، تقول: وقفت على ما عند فلان، أي فهمته وتبيَّنته، ذكر هذه الأقوال الثلاثة الزجاج، واختار الأخير. وقال ابن جرير: عَلَى هاهنا بمعنى «في».
السادس: جعلوا عليها وقفا، كالوقوف المؤبَّدة على سبلها، ذكره الماورديّ. والخطاب بهذه الآية للنّبي صلى الله عليه وسلم، والوعيد للكفار، وجواب «لو» محذوف، ومعناه: لو رأيتهم في تلك الحال، لرأيت عجباً.
قوله تعالى: وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم برفع الباء من «نكذبُ» والنون من «نكونُ».
قال الزجاج: والمعنى أنهم تمنَّوا الرد، وضمنوا أنهم لا يكذِّبون. والمعنى: يا ليتنا نُرَدُّ، ونحن لا نكذب بآيات ربِّنا، رُدِدْنا أو لم نُردَّ، ونكون من المؤمنين، لأنّا قد عاينّا مالا نكذب معه أبداً. قال:
ويجوز الرفع على وجه آخر، على معنى «يا ليتنا نرد»، يا ليتنا لا نكذب، كأنهم تمنوا الرد والتوفيق للتصديق. وقال الأخفش: إذا رفعت جعلته على مثل اليمين، كأنهم قالوا: ولا نكذب- واللهِ- بآيات ربِّنا، ونكون- والله- من المؤمنين. وقرأ حمزة إلا العجليَّ «١»، وحفص عن عاصم، ويعقوب: بنصب الباء من «نكذبَ»، والنون من «نكونَ». قال مكي بن أبي طالب: وهذا النصب على جواب التمني، وذلك بإضمار «أن»، حملاً على مصدر «نرد»، فأضمرت «أن» لتكون مع الفعل مصدراً، فعطف بالواو مصدراً على مصدر. وتقديره: يا ليت لنا ردّا، وانتفاء من التكذيب، وكوناً من المؤمنين. وقرأ ابن عامر برفع الباء من «نُكذبُ»، ونصب النون من «نكون» بالرّفع قد بيَّنا علته، والنصب على جواب التمني.
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٢٨) وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩)
قوله تعالى: بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ «بل» : ها هنا ردّ لكلامهم، أي: ليس الأمر على ما قالوا من أنهم لو ردُّوا لآمنوا. وقال الزجاج: «بل» استدراك وإيجاب بعد نفي تقول: ما جاء زيد بل عمرو.
وفي معنى الآية أربعة أقوال: أحدها: بدا ما كان يخفيه بعضهم عن بعض، قاله الحسن. والثاني:
بدا بنطق الجوارح ما كانوا يخفون من قبل بألسنتهم، قاله مقاتل. والثالث: بدا لهم جزاء ما كانوا
أخذ القراءة عرضا عن حمزة الزيات وعن سليم عن حمزة أيضا، مات في حدود العشرين ومائتين.