الحج في تلك السنة، وبعث معه صدراً من (براءة) ليقرأها على أهل الموسم، فلما سار دعا رسول الله ﷺ علياً، فقال: «اخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذِّن في الناس بذلك»، فخرج عليٌّ على ناقة رسول الله ﷺ العضباء حتى أدرك أبا بكر، فرجع أبو بكر فقال: يا رسول الله، أُنزِل في شأني شيء؟
قال: «لا، ولكن لا يبلغ عني إلا رجل مني، أما ترضى أنك كنتَ صاحبي في الغار، وأنك صاحبى على الحوض» ؟ قال: بلى يا رسول الله. فسار أبو بكر أميراً على الحج، وسار علي ليؤذِّن ب «براءة».
فصل: وفي عدد الآيات التي بعثها رسول الله ﷺ من أول براءة خمسة أقوال: أحدها: أربعون آية، قاله عليٌّ عليه السلام. والثاني: ثلاثون آية، قاله أبو هريرة. والثالث: عشر آيات، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والرابع: سبع آيات، رواه ابن جريج عن عطاء. والخامس: تسع آيات، قاله مقاتل.
فصل: فان توهَّم مُتَوهِّمٌ أن في أخذ (براءة) من أبي بكر، وتسليمها إلى عليٍّ، تفضيلاً لعليٍّ على أبي بكر، فقد جهل لأن النبي ﷺ أجرى العرب في ذلك على عادتهم. قال الزجاج: وقد جرت عادة العرب في عقد عهدها ونقضها، أن يتولىَّ ذلك على القبيلة رجل منها فكان. وجائز أن تقول العرب إذا تلا عليها نقضَ العهد مَن ليس من رهط النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خلاف ما نعرف فينا في نقض العهود، فأزاح النبيّ ﷺ العلّة بما فعل. وقال عمرو بن بحر: ليس هذا بتفضيل لعليٍّ على أبي بكر، وإنما عاملهم بعادتهم المتعارفة في حَلِّ العقد، وكان لا يتولىَّ ذلك إلا السَّيِّدُ منهم، أو رجل من رهطه دَنِيّاً، كأخ، أو عم وقد كان أبو بكر في تلك الحَجة الإمام، وعليٌّ يأتمُّ به، وأبو بكر الخطيب، وعليّ يستمع.
(٦٦٥) وقال أبو هريرة: بعثني أبو بكر في تلك الحجة مع المؤذِّنين الذين بعثهم يؤذِّنون بمنى:
أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان فأذَّن معنا علي ب (براءة) وبذلك الكلام.
(٦٦٦) وقال الشعبي: بعث رسول الله ﷺ علياً يؤذن بأربع كلمات: «ألا لا يحج بعد العام مشرك، ألا ولا يطوف بالبيت عريان، ألا ولا يدخل الجنة إلا مسلم، ألا ومن كانت بينه وبين محمّد

صحيح. أخرجه البخاري ٣١٧٧ و ٤٦٥٥ و ٤٦٥٦ ومسلم ١٣٤٧ وأبو داود ١٩٤٦ والنسائي ٧٦ والبيهقي ٥/ ٨٧ والبغوي في «التفسير» ١٠٣١- بترقيمي- من طرق عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة به، واللفظ للبخاري في روايته: الثانية والثالثة.
جيد. أخرجه الطبري ١٦٣٩، وفي الباب روايات. وللحديث شواهد: أخرجه الترمذي ٣٠٩٢ والحاكم ٣/ ٥٢ والطبري ١٦٣٨٧ و ١٦٣٩٣ من طرق عن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي به، وإسناده حسن، زيد بن يثيع، قال عنه الحافظ في «التقريب» : ثقة. وأما الذهبي فقال في «الميزان» ٣٠٣٢: ما روى عنه سوى أبي إسحاق. وهذا منه إشارة إلى جهالته. قلت: ذكره الحافظ في «تهذيب التهذيب ٣/ ١٣٦٩، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العجلي: تابعي ثقة. وقال ابن سعد: كان قليل الحديث اه ملخصا. فينبغي أن يكون حسن الحديث، لا سيما، وقد توبع على هذا المتن، فقد ورد من طريق الحارث الأعور عن علي. أخرجه الطبري ١٦٣٨٥، وإسناده ضعيف لضعف الحارث، وكرره ١٦٣٨٨ من هذا الوجه. وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه أحمد ٢/ ٢٩٩ والحاكم ٢/ ٣٣١ وإسناده لا بأس به، وصححه الحاكم والذهبي. الخلاصة:
هو حديث حسن أو صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم. وانظر «تفسير الشوكاني»
١٠٨١ بتخريجي، وصححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي!. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وانظر أحكام القرآن ١٠٨٣ بتخريجنا.


الصفحة التالية
Icon