قوله تعالى: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي: إعلام ومنه أَذان الصلاة. وقرأ الضحاك، وأبو المتوكل، وعكرمة، والجحدري، وابن يعمر: «وَإِذْنٌ» بكسر الهمزة وقصرها ساكنة الذال من غير ألف.
قوله تعالى: إِلَى النَّاسِ أي: للناس. يقال: هذا إعلام لك، وإليك. والناس ها هنا عامّ في المؤمنين والمشركين. وفي يوم الحج الأكبر ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنه يوم عرفة، قاله عمر بن الخطاب، وابن الزبير، وأبو جحيفة، وطاوس، وعطاء. والثاني: يوم النحر، قاله أبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة، وعبد الله بن أبي أوفى، وابن المسيب، وابن جبير، وعكرمة، والشعبي، والنخعي، والزهري، وابن زيد، والسدي في آخرين. وعن علي، وابن عباس، كالقولين. والثالث: أنه أيام الحج كلُّها، فعبَّر عن الأيام باليوم، قاله سفيان الثوري. قال سفيان. كما يقال: يوم بعاث، ويوم الجمل، ويوم صفِّين يراد به: أيام ذلك، لان كل حرب من هذه الحروب دامت أياماً. وعن مجاهد، كالأقوال الثلاثة. وفي تسميته بيوم الحج الأكبر ثلاثة أقوال «٢» : أحدها: أنه سمَّاه بذلك لأنه اتفق في سنة حج فيها المسلمون والمشركون، ووافق ذلك عيدَ اليهود والنصارى، قاله الحسن. والثاني: أن الحج الأكبر: هو الحج، والأصغر: هو العمرة، قاله عطاء، والشعبي. والثالث: أن الحج الأكبر: القِران، والأصغر: الإفراد، قاله مجاهد.
قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ وقرأ الحسن، ومجاهد، وابن يعمر: «إِن الله» بكسر الهمزة. مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي: من عهد المشركين، فحذف المضاف. وَرَسُولِهِ رفعٌ على الابتداء، وخبره مضمر على معنى: ورسولُه أيضا بريء. وقرأ أبو رزين، وأبو مجلز، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن يعمر، وزيد عن يعقوب: «ورسولَه» بالنصب. ثم رجع إلى خطاب المشركين بقوله تعالى: فَإِنْ تُبْتُمْ أي: رجعتم عن الشرك، وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن الإيمان.

(١) قال الطبري رحمه الله تعالى في «تفسيره» ٦/ ٣١٦: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة قول من قال: «يوم الحج الأكبر، يوم النحر» تظاهرت الأخبار عن جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ أن عليا نادى بما أرسله به رسول الله ﷺ من الرسالة إلى المشركين، وتلا عليهم (براءة) يوم النحر، هذا، مع الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله ﷺ أنه قال يوم النحر: أتدرون أي يوم هذا؟ هذا يوم الحج الأكبر. وبعد فإن «اليوم» إنما يضاف إلى المعنى بالذي يكون فيه، كقول الناس «يوم عرفة» وذلك يوم وقوف الناس بعرفة، «يوم الأضحى» وذلك يوم يضحون فيه، و «يوم الفطر» وذلك يوم يفطرون فيه. وكذلك «يوم الحج» يوم يحجون فيه، وإنما يحج الناس ويقضون مناسكهم يوم النحر، لأن في ليلة نهار يوم النحر، الوقوف بعرفة غير فائت إلى طلوع الفجر، وفي صبيحتها يعمل أعمال الحج. فأما يوم عرفة، فإنه وإن كان فيه الوقوف بعرفة، فغير فائت الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، والحج كله يوم النحر. وأما ما قال مجاهد: من أن «يوم الحج» إنما هو أيامه كلها، فإن ذلك وإن كان جائزا في كلام العرب، فليس بالأشهر الأعرف في كلام العرب من معانيه، بل الأغلب على معنى «اليوم» عندهم أنه من غروب الشمس إلى مثله من الغد وإنما محمل تأويل كتاب الله على الأشهر الأعرف من كلام من نزل الكتاب بلسانه.
(٢) وقال الطبري رحمه الله تعالى في «تفسيره» ٦/ ٣١٨: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي، قول من قال «الحج الأكبر» «الحج» لأنه أكبر من العمرة بزيادة عمله على عملها، فقيل له: «الأكبر» لذلك، وأما «الأصغر» فالعمرة لأن عملها أقل من عمل الحج، فلذلك قيل لها «الأصغر» لنقصان عملها من عمله.


الصفحة التالية
Icon