أو الفداء بقوله تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً ثم نُسخ بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، قاله مجاهد، وقتادة. والثالث: أن الآيتين محكمتان، والأسير إذا حصل في يد الإمام، فهو مخيَّر، إن شاءَ مَنَّ عليه، وإن شاء فاداه، وإن شاء قتله صبراً، أيَّ ذلك رأى فيه المصلحة للمسلمين فعلَ، هذا قول جابر بن زيد، وعليه عامة الفقهاء، وهو قول الإمام أحمد.
[سورة التوبة (٩) : آية ٦]
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦)
قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ قال المفسرون: وإن أحد من المشركين الذين أمرتك بقتلهم استأمنك يبتغي أن يسمع القرآن وينظر فيما أُمر به ونُهي عنه، فأَجِرْه، ثم أبلغه الموضع الذي يأمن فيه. وفي قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ قولان: أحدهما: أن المعنى: ذلك الذي أمرناك به من أن يُعرَّفوا ويُجاروا لجهلهم بالعلم. والثاني: ذلك الذي أمرناك به من ردِّه إلى مأمنه إذا امتنع من الإيمان، لأنهم قوم جهلة بخطاب الله.
[سورة التوبة (٩) : آية ٧]
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)
قوله تعالى: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ أي: لا يكون لهم ذلك، إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وفيهم ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنهم بنو ضمرة، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم قريش، قاله ابن عباس أيضاً. وقال قتادة: هم مشركو قريش الذين عاهدهم نبيُّ الله ﷺ زمن الحديبية، فنكثوا وظاهروا المشركين. والثالث: أنهم خزاعة، قاله مجاهد.
(٦٦٨) وذكر أهل العلم بالسِّيَر أنّ رسول الله ﷺ لما صالح سهيل بن عمرو في غزوة الحديبية، كتب بينه وبينه: «هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس، ويكفُّ بعضهم عن بعض، على أنه لا إسلال ولا إغلال، وأن بيننا عيبةً مكفوفةً، وأنَّه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، ومن أحبّ أن يدخل في عهد قريش
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٦/ ٣٢٤: وأولى الأقوال عندي، قول من قال: هم بعض بني بكر من كنانة، ممن كان أقام على عهده، ولم يكن دخل في نقض ما كان بين رسول الله ﷺ وبين قريش يوم الحديبية من العهد مع قريش، حين نقضوه بمعونتهم حلفاء من بني الدّئل، على حلفاء رسول الله ﷺ من خزاعة. وإنما قلت: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الله أمر نبيه والمؤمنين بإتمام العهد لمن كانوا عاهدوه عند المسجد الحرام، ما استقاموا على عهدهم، وقد بينا أن هذه الآيات إنما نادى بها علي في سنة تسع من الهجرة، وذلك بعد فتح مكة بسنة، فلم يكن بمكة من قريش ولا خزاعة كافر يومئذ بينه وبين رسول الله ﷺ عهد، فيؤمر بالوفاء له بعهده ما استقام على عهده، لأن من كان منهم من ساكني مكة، كان قد نقض العهد وحورب قبل نزول الآيات.