[سورة التوبة (٩) : آية ١٢]

وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢)
قوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ. قال ابن عباس:
(٦٧٠) نزلت في أبي سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد حين أعانوا بني بكر على خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله ﷺ أن يسير إليهم فينصر خزاعة، وهم الذين همّوا بإخراج الرّسول صلى الله عليه وسلم. فأما النّكث، فمعناه: النّقض. والأيمان ها هنا: العهود. والطعن في الدِّين: أن يعاب، وهذا يوجب قتل الذميّ إذا طعن في الإسلام، لأن المأخوذ عليه أن لا يطعن فيه «١».
قوله تعالى: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ قرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي «أئمة» بتحقيق الهمزتين. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: بتحقيق الأولى وتليين الثانية. والمراد بأئمة الكفر:
رؤوس المشركين وقادتهم. إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ أي: لا عهود لهم صادقة هذا على قراءة من فتح الألف، وهم الأكثرون. وقرأ ابن عامر «لا إِيمان لهم» بالكسر وفيها وجهان ذكرهما الزجاج:
أحدهما: أنه وصف لهم بالكفر ونفي الإيمان. والثاني: لا أمان لهم، تقول: آمنته إيماناً، والمعنى:
فقد بطل أمانكم لهم بنقضهم.
وفي قوله تعالى: لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ قولان: أحدهما: عن الشّكر. والثاني: عن نقض العهود.
عزاه المصنف لابن عباس، ولم أقف على إسناده وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٩٠ بدون إسناد عن ابن عباس. وأخرجه الطبري ١٦٥٤٠ من حديث قتادة مرسلا بنحوه. وقال ابن كثير في «تفسيره» ٢/ ٤٢٠:
والصحيح أن الآية عامة، وإن كان سبب نزولها مشركي قريش فهي عامة لهم ولغيرهم والله أعلم اه.
__________
(١) قال القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» ٨/ ٧٧- ٧٩: استدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين، إذ هو كافر، والطعن أن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يتعرض بالاستخفاف على ما هو من الدين لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه. فذهب مالك والشافعي وابن المنذر إلى قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم. وحكي عن النعمان أنه قال: لا يقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم. وأما الذمي إذا طعن في الدين انتقض عهده في المشهور من مذهب مالك لقوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ الآية فأمر بقتلهم وقتالهم، وهو مذهب الشافعي. وقال أبو حنيفة: إنه يستتاب، وإن مجرد الطعن لا ينقض به العهد إلا مع وجود النكث، لأن الله عز وجل إنما أمر بقتلهم بشرطين أحدهما نقضهم العهد. والثاني طعنهم في الدين.
وأكثر العلماء على أن من سب النبي ﷺ من أهل الذمة، أو عرّض أو استخف بقدره أو وصفه بغير الوجه الذي كفر به فإنه يقتل. فإنا لم نعطه الذمة أو العهد على هذا. إلا أبا حنيفة والثوري وأتباعهما من أهل الكوفة فإنهم قالوا لا يقتل ما هو عليه من الشرك أعظم. ولكن يؤدب ويعزر والحجة عليه قوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا الآية.
وقوله تعالى: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ. المراد صناديد قريش- في قول بعض العلماء- كأبي جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف، وهذا بعيد، فإن الآية في سورة (براءة) وحين نزلت وقرئت على الناس كان قد استأصل شأفة قريش فلم يبق إلا مسلم أو مسالم. فيحتمل أن يكون المراد فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ أي من أقدم على نكث العهد والطعن في الدين يكون أصلا ورأسا في الكفر فهو من أئمة الكفر على هذا. ويحتمل أن يعني به المتقدمون والرؤساء منهم، وأن قتالهم قتال لأتباعهم وأنهم لا حرمة لهم. ا. هـ.


الصفحة التالية
Icon