ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئاً استحلُّوهْ، واذا حرموا عليهم شيئاً حرّموه» «١». فعلى هذا المعنى: إنهم جعلوهم كالأرباب وإن لم يقولوا: إنهم أرباب.
قوله تعالى: وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ قال ابن عباس: اتخذوه ربّا.
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٢]
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢)
قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ قال ابن عباس: يخمدوا دين الله بتكذيبهم، يعني:
أنهم يكذبون به ويُعرضون عنه يريدون إبطاله بذلك. وقال الحسن وقتادة: نور الله: القرآن والإسلام.
فأما تخصيص ذلك بالأفواه، فلما ذكرنا في الآية قبلها. وقيل: إن الله تعالى لم يذكر قولاً مقروناً بالأفواه والألسن إلا وهو زور. قوله تعالى: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ قال الفرّاء: إنّما دخلت «إلا» ها هنا، لأن في الإباء طرفاً من الجحد، ألا ترى أنّ «أبيت» كقولك: «لم أفعل»، فكأنه بمنزلة قولك: ما ذهب إلا زيد، قال الشاعر:
فَهَلْ لِيَ أُمٌّ غيرُها إن تركتُها | أبى الله إلا أن أكُون لَها ابنما «٢» |
[سورة التوبة (٩) : آية ٣٣]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)
قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ يعني محمّدا ﷺ بِالْهُدى وفيه ثلاثة أقوال: أحدها:
- وورد تفسير الآية الكريمة بمثل الحديث المرفوع عن حذيفة بن اليمان من قوله. أخرجه الطبري ١٦٦٤٩ و ١٦٦٥٠ و ١٦٦٥١ و ١٦٦٥٣ من طرق عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري عن حذيفة، وإسناده ضعيف، حبيب كثير الإرسال والتدليس، ولم يصرح في هذه الروايات بالتحديث. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي ١٠/ ١١٦. لكن تابعه عطاء بن السائب برقم ١٦٦٥٨ وهو ضعيف لكن يصلح للاعتبار بحديثه.
وله شاهد عن ابن عباس قوله، أخرجه الطبري ١٦٦٥٦ وهو منقطع، السدي لم يلق ابن عباس. فلعل من حسنه لأجل هذه الروايات الموقوفة. والله أعلم، والأشبه أنه بين الضعيف والحسن، والله أعلم.
__________
(١) بهذه الآية الكريمة، وبهذا الحديث، وبما ورد عن أئمة التفسير، استدل العلامة الآلوسي رحمه الله وغيره من الأئمة: بأن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده، ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته. واستدلوا بأن العبادة هي الاتباع في الشرائع، سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة، ثم إن الإسلام لا يقوم إلا باتباع الله وحده في الشريعة بعد الاعتقاد بألوهيته وحده، فإذا اتبع الناس شريعة غير شريعة الله صح فيهم ما صح في اليهود والنصارى، نسأل الله تعالى أن يرحمنا ويهدينا إلى سواء الصراط.
(٢) البيت منسوب إلى المتلمس «معاني القرآن» ١/ ٤٣٣ وقوله ابنما، أراد ابنا، فزاد ميما.