وبه رَمَق، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وجابر بن زيد والزهري والحكم وابن زيد ومقاتل. والثاني:
أن الفقير: المحتاج الذي به زمانة، والمساكين: المحتاج الذي لا زمانة به، قاله قتادة. والثالث: الفقير:
المهاجر، والمساكين: الذي لم يهاجر، قاله الضحاك بن مزاحم والنّخعيّ. والرابع: الفقير: فقير المسلمين، والمساكين: من أهل الكتاب، قاله عكرمة. والخامس: أن الفقير: من له البلغة من الشيء، والمساكين: الذي ليس له شيء، قاله أبو حنيفة ويونس بن حبيب ويعقوب بن السكّيت وابن قتيبة.
واحتجوا بقول الراعي:

أمَّا الفقيرُ الذي كانتْ حَلُوبَتُه وفقَ العيال فلم يُتْرَكْ له سَبَدُ «١»
فسماه فقيراً، وله حَلوبة تكفيه وعياله. وقال يونس: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله، بل مساكين يريد: أنا أسوأ حالاً من الفقير. والسادس: أنّ الفقير أمسّ حاجة من المساكين، وهذا مذهب أحمد، لأن الفقير مأخوذ من انكسار الفَقار، والمسكنة مأخوذة من السكون والخشوع، وذلك أبلغ. قال ابن الأنباري: ويروى عن الأصمعيّ أنه قال: المساكين أحسن حالاً من الفقير. وقال أحمد بن عبيد: المساكين أحسن حالاً من الفقير، لأن الفقير أصله في اللغة: المفقور الذي نزعت فَقره من فِقَرِ ظهره، فكأنه انقطع ظهره من شدة الفقر، فصُرف عن مفقور إلى فقير، كما قيل: مجروح وجريح، ومطبوخ وطبيخ، قال الشاعر:
لَمّا رأى لُبَدَ النُّسُورِ تَطَايَرَتْ رَفَعَ القَوادِمَ كالفقيرِ الأعْزَلِ «٢»
قال: ومن الحجة لهذا القول قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ «٣» فوصف بالمسكنة من له سفينة تساوي مالاً قال: وهو الصحيح عندنا.
قوله تعالى: وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وهم السعاة لجباية الصدقة، يُعْطَوْنَ منها بقدر أُجُور أمثالهم، وليس ما يأخذونه بزكاة.
قوله تعالى: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وهم قوم كان رسول الله ﷺ يتألَّفهم على الإسلام بما يعطيهم، وكانوا ذوي شرف، وهم صنفان: مسلمون، وكافرون. فأما المسلمون، فصنفان صنف كانت نِيَّاتُهم في الإسلام ضعيفة، فتألَّفهم تقويةً لِنيَّاتهم، كعُيَيْنة بن حصن، والأقرع وصنف كانت نياتهم حسنة، فأُعطوا تألُّفاً لعشائرهم من المشركين، مثل عدي بن حاتم. وأما المشركون، فصنفان، صنف يقصدون المسلمين بالأذى، فتألَّفهم دفعاً لأذاهم، مثل عامر بن الطفيل وصنف كان لهم ميل إلى الإسلام،
(١) البيت منسوب إلى الراعي ديوان: ٥٥. الحلوبة: الناقة التي تحلب. وفق العيال: لها لبن قدر كفايتهم لا فضل فيه عنهم. السبد: الشعر. وقيل الوبر.
(٢) البيت منسوب إلى لبيد، ديوانه ٢٧٤ و «اللسان». فقر. الأعزل: المائل الذنب توصف به الخيل. القوادم:
أربع ريشات في مقدم الجناح. الفقير: المكسور الفقار وهي ما انتصف من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب.
(٣) سورة الكهف: ٧٩.


الصفحة التالية
Icon