و «أرأيتكم» و «أرأيت» بالألف في كل القرآن مهموزاً وليَّن الهمزة نافع في الكل. وقرأ الكسائي بغير همز ولا ألف. قال الفراء: العرب تقول: أرأيتك، وهم يريدون: أخبرني.
فأمّا عذاب الله، ففي المراد به ها هنا قولان: أحدهما: أنه الموت، قاله ابن عباس. والثاني:
العذاب الذي كان يأتي الأمم الخالية، قاله مقاتل. فأما الساعة، فهي القيامة. قال الزجاج: وهو اسم للوقت الذي يصعق فيه العباد، وللوقت الذي يبعثون فيه.
قوله تعالى: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ أي: أتدعون صنماً أو حجراً لكشفِ ما بكم؟! فاحتج عليهم بما لا يدفعونه، لأنهم كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله.
وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ جواب لقوله تعالى: «أرأيتكم»، لأنه بمعنى أخبروا، كأنه قيل لهم: إن كنتم صادقين، فأخبروا من تدعون عند نزول البلاء بكم؟.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٤١]
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١)
قوله تعالى: بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ قال الزجاج: أعلمهم أنهم لا يدعون في الشدائد إلا إياه وفي ذلك أعظم الحجج عليهم، لأنهم عبدوا الأصنام. فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ المعنى: فيكشف الضر الذي من أجله دعوتم، وهذا على اتساع الكلام مثل قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «١»، أي: اهل القرية. وَتَنْسَوْنَ: يجوز أن يكون بمعنى «تتركون» ويجوز أن يكون المعنى: إنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من قد نسيهم.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٤٢]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢)
قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ في الآية محذوف، تقديره: ولقد أرسلنا إلى أُمم من قبلك رسلا فخالفوهم، فأخذناهم بالبأساء وفيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها الزمانة والخوف، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنها البؤس، وهو الفقر، قاله ابن قتيبة. والثالث: أنها الجوع، ذكره الزجاج. وفي الضرَّاء ثلاثة أقوال: أحدها: البلاء، والجوع، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني:
النقص في الأموال والأنفس، ذكره الزجاج. والثالث: الاسقام والأمراض، قاله أبو سليمان.
قوله تعالى: لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ أي: لكي يتضرعوا. والتضرع: التذلل والاستكانة. وفي الكلام محذوف تقديره: فلم يتضرّعوا.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٤٣]
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)
قوله تعالى: فَلَوْلا معناه: «فهلاَّ». والبأس: العذاب. ومقصود الآية: أن الله تعالى أعلم نبيه ﷺ أنه قد أرسل إلى قوم قبله بلغوا من القسوة أنهم أخذوا بالشدائد، فلم يخضعوا، وأقاموا على كفرهم، وزين لهم الشيطان ضلالتهم فأصرّوا عليها.

(١) سورة يوسف: ٨٢.


الصفحة التالية
Icon