وفي الأوَّاه ثمانية أقوال «١» :
(٧٦٧) أحدها: أنه الخاشع الدَّعَّاء المتضرع، رواه عبد الله بن شداد بن الهاد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه الدَّعَّاء، رواه زِرٌّ عن عبد الله، وبه قال عبيد بن عمير. والثالث: الرحيم، رواه أبو العبيد بن العامري عن ابن مسعود، وبه قال الحسن، وقتادة، وأبو ميسرة. والرابع: أنه الموقن، رواه أبو ظبيان عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعطاء، وعكرمة، والضحاك. والخامس: أنه المؤمن، رواه العوفي، ومجاهد، وابن أبي طلحة عن ابن عباس. والسادس: أنه المسبِّح، رواه أبو إسحاق عن أبي ميسرة، وبه قال سعيد بن المسيب، وابن جبير. والسابع: أنه المتأوِّه لذِكر عذاب الله، قاله الشعبي. قال أبو عبيدة: مجاز أواه مجاز فَعّال من التأوّه، ومعناه: متضرِّع شَفَقَاً وفَرَقاً ولزوماً لطاعة ربه، قال المُثَقَّب:

إذا ما قمتُ أرْحَلُها بليل تأَوَّهُ آهةَ الرجل الحزينِ «٢»
والثامن: أنه الفقيه، رواه ابن جريج عن مجاهد. فأما الحليم، فهو الصّفوح عن الذّنوب.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٥ الى ١١٦]
وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦)
قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً الآية.
(٧٦٨) سبب نزولها: أنه لما نزلت آية الفرائض، وجاء النسخ، وقد غاب قوم وهم يعلمون بالأمر الأول مثل أمر القبلة والخمر، ومات أقوام على ذلك، سألوا رسول الله ﷺ عن ذلك، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
وقال قوم: المعنى: أنه بيَّن أنه لم يكن ليأخذهم بالاستغفار للمشركين قبل تحريمه، فاذا حرَّمه ولم يمتنعوا عنه، فقد ضلوا. وقال ابن الأنباري: في الآية حذف واختصار، والتأويل: حتى يتبين لهم ما يتقون، فلا يتقونه، فعند ذلك يستحقون الضّلال فحذف ما حذف لبيان معناه، كما تقول العرب:
أمرتك بالتجارة فكسبتَ الأموال يريدون: فتجرت فكسبت.
أخرجه الطبري ١٧٤٣٠ و ١٧٤٣١ عن عبد الله بن شداد، وفيه شهر بن حوشب فيه كلام، وهو مدلس، وقد عنعنه. وإسناده ضعيف.
عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، وراوية أبي صالح هو الكلبي، وهو ممن يضع الحديث.
__________
(١) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٢/ ٤٨٨: وأولى الأقوال قول من قال: إنه الدعاء وهو المناسب للسياق، وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم عليه السلام إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه، وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما عمن ظلمه وأناله مكروها ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه في قوله: أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا.
فحلم عنه مع أذاه له، ودعا له واستغفر، ولهذا قال تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ اه.
(٢) البيت منسوب إلى المثقب: مجاز القرآن ١/ ٢٧٠ «اللسان» أوه.


الصفحة التالية
Icon