الأقوال التي قبله، سألوه طردهم عن مجلسه.
قوله تعالى: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ في هذا الدعاء خمسة أقوال «١» : أحدها: أنه الصلاة المكتوبة، قاله ابن عمر، وابن عباس. وقال مجاهد: هي الصلوات الخمس وفي رواية عن مجاهد، وقتادة قالا:
يعني صلاة الصبح والعصر. وزعم مقاتل أن الصلاة يومئذ كانت ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي ثم فرضت الصلوات الخمس بعد ذلك. والثاني: أنه ذكر الله تعالى، قاله إبراهيم النخعي، وعنه كالقول الأول. والثالث: أنه عبادة الله، قاله الضحاك. والرابع: أنه تعلم القرآن غدوة وعشية، قاله أبو جعفر.
والخامس: أنه دعاء الله بالتوحيد، والإخلاص له، وعبادته، قاله الزجاج.
وقرأ الجمهور: «بالغداة» وقرأ ابن عامر ها هنا وفي سورة الكهف أيضا: «بالغُدْوَةِ» بضم الغين وإسكان الدال وبعدها واو. قال الفراء: والعرب لا تدخل الألف واللام على «الغدوة» لأنها معرفة بغير ألف ولام، ولا تضيفها العرب يقولون: أتيتك غداة الخميس، ولا يقولون: غُدوة الخميس، فهذا دليل على أنها معرفة. وقال أبو علي: الوجه: الغداة، لأنها تستعمل نكرة، وتتعرف باللام وأما غُدوة، فمعرفة. وقال الخليل: يجوز أن تقول: أتيتك اليوم غُدوة وبُكرة، فجعلها بمنزلة ضحوة، فهذا وجه قراءة ابن عامر.
فان قيل: دعاء القوم كان متصلاً بالليل والنهار، فلماذا خص الغداة والعشي؟
فالجواب: أنه نبه بالغداة على جميع النهار، وبالعشي على الليل، لأنه إذا كان عمل النهار خالصا له، كان عمل الليل أصفى.
قوله تعالى: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ قال الزّجّاج: أي يريدون الله، فشهد الله لهم بصحة النيات، وأنهم مخلصون في ذلك. وأما الحساب المذكور في الآية، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه حساب الأعمال،
فتأويل الكلام إذا: يا محمد أنذر بالقرآن الذي أنزلته إليك، الذين يعلمون أنهم إلى ربهم محشورون فهم من خوف ورودهم على الله الذي لا شفيع لهم من دونه ولا نصير في العمل له دائبون إذا أعرض عن إنذارك واستماع ما أنزل الله عليك المكذبون بالله واليوم الآخر من قومك استكبارا على الله ولا تطردهم ولا تقصهم، فتكون ممن وضع الإقصاء في غير موضعه، فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه، وقرب من لم يكن له تقديمه بقربه وإدنائه فإن الذين نهيتك عن طردهم هم الذين يدعون ربهم فيسألون عفوه ومغفرته بصالح أعمالهم، وأداء ما ألزمهم من فرائضه، ونوافل تطوعهم، وذكرهم إياه بألسنتهم بالغداة والعشي يلتمسون بذلك القربة إلى الله، والدنو من رضاه ا. هـ.