(٧٩٢) والرابع: أن طائفة من المشركين قالوا: إِذا أغلقنا أبوابنا وأرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمّد صلى الله عليه وسلم، كيف يعلم بنا؟ فأخبر الله عما كتموا، ذكره الزّجّاج.
(٧٩٣) والخامس: أنها نزلت في قوم كانوا لشدة عداوتهم رسول الله ﷺ إِذا سمعوا منه القرآن حنَوا صدورهم، ونكسوا رؤوسهم، وتغشوا ثيابهم ليبعد عنهم صوت رسول الله ﷺ ولا يدخل أسماعهم شيء من القرآن، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ يقال: ثنيت الشيء: إِذا عطفته وطويته. وفي معنى الكلام خمسة أقوال: أحدها: يكتمون ما فيها من العداوة لمحمّد عليه السلام، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: يثنون صدورهم على الكفر، قاله مجاهد. والثالث: يحنونها لئلا يسمعوا كتاب الله، قاله قتادة. والرابع: يثنونها إِذا ناجى بعضهم بعضا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن زيد. والخامس: يثنونها حياءً من الله تعالى، وهو يخرَّج على ما حكينا عن ابن عباس.
قال ابن الأنباري: وكان ابن عباس يقرؤها «ألا إِنهم تَثْنَوْني صدورُهم» وفسرها أن ناساً كانوا يستحيون أن يُفضوا إِلى السماء في الخلاء ومجامعة النساء. فَتَثْنَوْنِي: تفْعَوْعِلُ، وهو فعل للصدور، معناه: المبالغة في تثنّي الصدور، كما تقول العرب: احلولى الشيء، يحلَولي: إِذا بالغوا في وصفه بالحلاوة، قال عنترة:
ألا قَاتَلَ اللهُ الطُّلُولَ البَوَالِيَا | وقَاتَلَ ذِكْرَاكَ السنينَ الخَوَالِيَا «١» |
وقَوْلَكَ لِلشَّيْءِ الَّذِي لاَ تَنَالُهُ | إِذا ما هُوَ احْلَوْلَى ألا لَيْتَ ذا ليا |
قوله تعالى: لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ في هاء مِنْهُ قولان: أحدهما: أنها ترجع إِلى الله تعالى.
والثاني: إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ قال أبو عبيدة: العرب تدخل «ألا» توكيداً وإِيجاباً وتنبيهاً. قال ابن قتيبة: «يستغشون ثيابهم» : أي: يتغشَّونها ويستترون بها. قال قتادة:
أخفى ما يكون ابن آدم، إذا حتى ظهره، واستغشى ثيابه، وأضمر همَّه في نفسه. قال ابن الأنباري:
أعلم الله أنه يعلم سرائرهم كما يعلم مظهراتهم.
قوله تعالى: إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ قد شرحناه في سورة آل عمران «٢».
ضعيف. أخرجه الطبري ١٧٩٦٢ و ١٧٩٦٣ عن قتادة مرسلا، مع اختلاف يسير فيه وهو ضعيف لإرساله.
__________
(١) في «القاموس» الطلول: الشاخص من آثار الدار، وشخص كل شيء.
(٢) سورة آل عمران: ١١٩.