تضيف أفعالها إِلى أنفسها، وإِلى ما أُوقِعَتْ عليه، فتقول: قد ندمت على ضربي إِياك، وندمت على ضربك، فهذا من ذاك، ومِثْله وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ «١» أي: رزقي إيّاكم. وقوله تعالى: وَخافَ وَعِيدِ أثبت ياء «وعيدي» في الحالين يعقوب، وتابعه ورش في الوصل.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٥ الى ١٧]
وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧)
قوله تعالى: وَاسْتَفْتَحُوا يعني: استنصروا. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وحميد، وابن مُحَيصن: «واستفتِحوا» بكسر التاء على الأمر. وفي المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم الرسل، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. والثاني: أنهم الكفار، واستفتاحهم: سؤالهم العذاب، كقولهم:
رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا «٢» وقولهم: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «٣»، هذا قول ابن زيد.
قوله تعالى: وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ قال ابن السائب: خسر عند الدعاء، وقال مقاتل: خسر عند نزول العذاب، وقال أبو سليمان الدمشقي: يئس من الإِجابة. وقد شرحنا معنى الجبّار والعنيد في سورة (هود) «٤». قوله تعالى: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ فيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى القُدَّام، قال ابن عباس، يريد: أمامه جهنم. وقال أبو عبيدة: «من ورائه» أي: قدّامه، يقال: الموت من ورائك، وأنشد «٥» :
أَتَرْجُو بَنُو مَرْوَان سَمْعي وَطَاعَتِي | وَقَوْمي تَمِيمٌ وَالْفَلاَةُ وَرَائِيَا |
حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً | وَلَيْسَ وَرَاءَ اللهِ للمرءِ مَذْهَبُ |
أَلَيْسَ وَرَائَي إِن تَرَاخَتْ مَنِيتَّي | لُزُومُ العَصَا تُحنَى عليها الأَصَابِع |
فقال: الوراء: اسم لما توارى عن عينك، سواء أكان أمامك أو خلفك. وقال الفراء: إِنما يجوز هذا في المواقيت من الأيام والليالي والدهر، تقول: وراءك برد شديد، وبين يديك برد شديد. ولا يجوز أن تقول للرجل وهو بين يديك: هو وراءك، ولا للرجُل وراءك: هو بين يديك.
قوله تعالى: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ قال عكرمة، ومجاهد، واللغويون: الصديد: القيح والدّم،
(٢) سورة ص: ١٦.
(٣) سورة الأنفال: ٣٢.
(٤) سورة هود: ٥٩.
(٥) ذكره ابن منظور في «اللسان»، مادة «وري»، ونسبه إلى سوّار بن المضرّب.
(٦) ذكره ابن منظور في «اللسان»، مادة «وري»، ونسبه إلى لبيد.