فيقال: للآدمي معاش، ولا يقال: للفرس معاش، جرت مجرى الناس، كما قال: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ «١»، وقال: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «٢»، وقال: كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ «٣»، وإِن قلنا: أُريدَ به العبيد، والوحوش، فإنه إِذا اجتمع الناس وغيرهم، غُلِّب الناس على غيرهم، لفضيلة العقل والتّمييز.
[سورة الحجر (١٥) : آية ٢١]
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)
قوله تعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ أي: وما من شيء إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وهذا الكلام عامّ في كل شيء. وذهب قوم من المفسرين إِلى أن المراد به المطر خاصة، فالمعنى عندهم: وما من شيء من المطر إِلا عندنا خزائنه، أي: في حُكمنا وتدبيرنا، وَما نُنَزِّلُهُ كل عام إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ لا يزيد ولا ينقص، فما من عام أكثرُ مطراً من عام، غير أن الله تعالى يصرفه إلى من يشاء، ويمنعه من يشاء.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣)
قوله تعالى: وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ وقرأ حمزة وخلف: «الريح». وكان أبو عبيدة يذهب إِلى أن «لواقح» بمعنى مَلاقح، فسقطت الميم منه، قال الشاعر:
لِيُبْكَ يَزِيدُ بائسٌ لِضَرَاعَةٍ | وَأَشْعَثُ مِمَّنْ طَوَّحتْهُ الطَّوَائِحُ «٤» |
قَلِقٌ لأفنان الريا | ح لِلاَقحٍ منها وحائل «٧» |
ومرّ بسفساف التّراب عقيمها «٨»
(٢) سورة يوسف: ٤٠. [.....]
(٣) سورة الأنبياء: ٣٣.
(٤) البيت لنهشل بن حري، انظر «كتاب سيبويه» ١/ ١٤٥، وفي «اللسان» مادة «طيح» وطوّحته الطوائح: قذفته القواذف، وطوّح الشيء: ضيعه، طاح طيحا: تاه، وطيّح نفسه وطاح الشيء طيحا: فني وذهب، وأطاحه هو:
أفناه. قال ابن جني: أول البيت مبني على اطّراح ذكر الفاعل، فإن آخره عوود فيه الحديث على الفاعل لأن تقديره فيما بعد ليبكه مختبط مما تطيح الطوائح، فدل قوله: ليبك على ما أراد من قوله ليبك.
(٥) سورة الطارق: ٦.
(٦) سورة القارعة: ٧.
(٧) للبيت للطّرمّاح كما في «غريب القرآن» لابن قتيبة ٢٣٦.
(٨) في «اللسان» مادة «سفّ» ونسبه لكثير، وعنده: «هاج» بدل «مرّ». والسفساف: ما دقّ من التراب.