مجاهد، وقتادة في آخرين. قال ابن قتيبة: المسنون: المتغير الرائحة. والثاني: أنه الطين الرطب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: أنه المصبوب، قاله أبو عمرو بن العلاء، وأبو عبيد. والرابع:
أنه المحكوك، ذكره ابن الأنباري، قال: فمن قال: المسنون: المنتن، قال: هو من قولهم: قد تسنَّى الشيء: إِذا أنتن، ومنه قوله تعالى: لَمْ يَتَسَنَّهْ «١»، وإِنما قيل له: مسنون لتقادم السنين عليه، ومن قال: الطين الرطب، قال: سمي مسنوناً، لأنه يسيل وينبسط، فيكون كالماء المسنون المصبوب. ومن قال: المصبوب، احتج بقول العرب: قد سننت عليَّ الماء: إِذا صببته. ويجوز أن يكون المصبوب على صورة ومثال، من قوله: رأيت سُنَّة وجهه، أي: صورة وجهه، قال الشاعر:

تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ مَلْسَاءَ لَيْسَ بِهَا خَالٌ وَلاَ نَدَبُ «٢»
ومن قال: المحكوك، احتج بقول العرب: سننت الحجر على الحجر: إِذا حككته عليه. وسمي المِسَنُّ مسناً، لأن الحديد يُحَكُّ عليه. قال: وإِنما كُرِّرت «مِنْ» لأن الأولى متعلقة ب «خلقنا»، والثانية متعلقة بالصلصال، تقديره: ولقد خلقنا الإِنسان من الصلصال الذي هو من حمأٍ مسنون.
قوله تعالى: وَالْجَانَّ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه مسيخ الجن «٣»، كما أن القردة والخنازير مسيخ الإِنس «٤»، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: أنه أبو الجن، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وروى عنه الضحاك أنه قال: الجانُّ أبو الجن، وليسوا بشياطين، والشياطين ولد إِبليس «٥» لا يموتون إِلا مع إِبليس، والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر. والثالث: أنه إِبليس، قاله الحسن، وعطاء، وقتادة، ومقاتل.
فإن قيل: أليس أبو الجن هو إِبليس؟ فعنه جوابان: أحدهما: أنه هو، فيكون هذا القول هو الذي قبله. والثاني: أن الجانَّ أبو الجن، وإِبليس أبو الشياطين، فبينهما إِذاً فرق على ما ذكرنا عن ابن عباس، قال العلماء: وإِنما سمي جانّاً، لتواريه عن العيون.
قوله تعالى: مِنْ قَبْلُ يعني: قبل خَلْق آدم مِنْ نارِ السَّمُومِ، وقال ابن مسعود: من نار الريح الحارَّة، وهي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم «٦». والسَّموم في اللغة: الريح الحارَّة وفيها نار، قال
(١) سورة البقرة: ٢٥٩.
(٢) البيت لذي الرمة كما في «ديوانه» ٨. وفي «القاموس» أقرفه الرجل وغيره: دنا من الهجنة، والقرفة: الهجنة.
ووجه مقرف: غير حسن. والخال: شامة في البدن. [.....]
(٣) هذا قول باطل، ليس بشيء. ويعارضه ما أخرجه مسلم ٢٩٩٦ وابن حبان ٦١٥٥ والبيهقي في «الصفات» ص ٣٨٥ وأحمد ٦/ ١٥٣ من حديث عائشة مرفوعا «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم».
(٤) هذا قول باطل. يعارضه ما أخرجه مسلم ٢٦٦٣ من حديث ابن مسعود «إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك». وفي الباب أحاديث تشهد له.
(٥) الصواب أن الشياطين هم مردة الجن.
(٦) في الباب من حديث أبي هريرة: «ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم» قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: «فضلت عليهن بتسعة وتسعين جزءا كلهنّ مثل حرّها» أخرجه البخاري ٣٢٦٥ واللفظ له، ومسلم ٢٨٤٣، ومالك ٢/ ٩٩٤، والترمذي ٢٥٨٩، وأحمد ٢/ ٣١٣، وابن حبان ٧٤٦٢.


الصفحة التالية
Icon