[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٣]

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣)
قوله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أن أولها، إلى قوله: وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ نزل في مُسيلمة الكذاب. وقوله تعالى:
وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ (٥٤٢) نزل في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان قد تكلم بالإسلام، وكان يكتب لرسول الله ﷺ في بعض الأحايين فاذا أُملي عليه: «عزيز حكيم» كتب: «غفور رحيم» فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هذا وذاك سواء. فلما نزلت: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) أملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله: خَلْقاً آخَرَ عجب عبد الله بن سعد، فقال: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«كذا أنزلت عليَّ، فاكتبها» فشك حينئذ، وقال: لئن كان محمد صادقاً، لقد أوحي إليَّ كما أوحي إليه، ولئن كان كاذباً، لقد قلت كما قال، رواه أبو صالح عن ابن عباس. قال عكرمة: ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة.
والقول الثاني: أن جميع الآية في عبد الله بن سعد، قاله السّدّيّ.
عزاه المصنف لابن عباس من رواية أبي صالح، وهي رواية ساقطة وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٤٢ عن ابن عباس من رواية الكلبي معلقا والكلبي متروك متهم. وأخرجه الطبري ١٣٥٥٩ من مرسل عكرمة.
وكرره ١٣٥٦٠ من مرسل السدي، وأخرجه الحاكم ٣/ ٤٥ والواحدي في «أسباب النزول» ٤٤٢ من مرسل شرحبيل بن سعد. فالحديث بهذه الطرق مع اختلاف مخارجها. والله أعلم- ربما يتقوى ولكن لا تبلغ درجة ما يحتج به. انظر «تفسير الشوكاني» ٩١٢، و «تفسير القرطبي» ٢٩٢٩ بتخريجنا.
__________
(١) قال الطبري في «تفسيره» : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى قال: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ولا تمانع بين علماء الأمة أن ابن أبي سرح كان ممن قال: «إني قد قلت مثل ما قال محمد». وأنه ارتد عن إسلامه والتحق بالمشركين. فكان لا شك بذلك من قيله مفتريا كذبا وكذلك لا خلاف بين الجميع أن مسيلمة والعنسي الكذابين ادعيا على الله كذبا أنه بعثهما نبيين، وقال كل واحد منهما إن الله أوحى إليه. وهو كاذب في قيله. فإن كان ذلك كذلك، فقد دخل في هذه الآية كل من كان مختلقا على الله كذبا. وقائلا في ذلك الزمان وفي غيره: «أوحى الله إلي». وهو في قيله كاذب، لم يوح الله إليه شيئا. فأما التنزيل فإنه جائز أن يكون نزل بسبب بعضهم وجائز أن يكون نزل بسبب جميعهم. وجائز أن يكون عني به جميع المشركين من العرب. إذ كان قائلو ذلك منهم، فلم يغيروه. فعيّرهم الله بذلك. وتوعدهم بالعقوبة على تركهم نكير ذلك، ومع تركهم نكيره هم بنبيه محمد ﷺ كاذبون، ولنبوته جاحدون، ولآيات الله وتنزيله دامغون، فقال لهم جل ثناؤه: «ومن أظلم ممن ادعى على النبوة كاذبا» وقال:
أوحي إلي ولم يوح إليه شيء، ومع ذلك يقول ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ فينقض قوله بقوله، ويكذب بالذي تحققه وينفي ما يثبته، وذلك إذا تدبره العاقل الأريب علم أن فاعله من عقله عديم ا. هـ.


الصفحة التالية
Icon