أراد: طلابها. وفي هذا الورود خمسة أقوال «١» :
أحدها: أنه الدخول. روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال:
(٩٦٦) «الورود: الدخول لا يبقى بَرّ ولا فاجر إِلا دخلها، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إِبراهيم، حتى إِن للنار- أو قال: لجهنم- ضجيجاً من بردهم».
وروي عن ابن عباس أنه سأله نافع بن الأزرق عن هذه الآية، فقال له: «أمّا أنا وأنت فسندخلها، فانظر أيُخرجنا الله عزّ وجلّ منها، أم لا؟ فاحتج بقوله تعالى: فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ «٢» وبقوله تعالى:
أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ «٣». وكان عبد الله بن رواحة يبكي ويقول: أُنبئت أني وارد، ولم أُنبَّأ أني صادر.
وحكى الحسن البصري: أن رجلاً قال لأخيه: يا أخي هل أتاك أنك واردٌ النار؟ قال: نعم قال: فهل أتاك أنك خارجٌ منها؟ قال: لا قال: ففيم الضحك؟! وقال خالد بن معدان: إِذا دخل أهل الجنة الجنة، قالوا: ألم يَعِدْنا رَبُّنا أن نرد النار؟ فيقال لهم: بلى، ولكن مررتم بها وهي خامدة. وممن ذهب إِلى أنه الدخول: الحسن في رواية، وأبو مالك. وقد اعتُرِض على أرباب هذا القول بأشياء. فقال الزجاج: العرب تقول: وردت بلد كذا، ووردت ماء كذا: إِذا أشرفوا عليه وإِن لم يدخلوا، ومنه قوله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ «٤» والحجة القاطعة في هذا القول قوله تعالى: أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها «٥»، وقال زهير:
فَلَمَّا وَرَدْنَ الماءَ زُرْقاً جِمَامُهُ | وَضَعْنَ عِصيَّ الحاضِرِ المُتَخيِّم «٦» |
والثاني: أن الورود: الممرُّ عليها، قاله عبد الله بن مسعود، وقتادة. وقال ابن مسعود: يَرِد الناس النار، ثم يصدرون عنها بأعمالهم، فأولُهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحُضْر الفرس، ثم كالراكب في رحله، ثم كشدِّ الرحل، ثم كمشيه. والثالث: أن ورودها: حضورها، قاله عبيد بن عمير. والرابع:
أن ورود المسلمين: المرور على الجسر، وورود المشركين: دخولها. قاله ابن زيد. والخامس: أن ورود المؤمن إِليها: ما يصيبه من الحمَّى في الدنيا، روى عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال: الحمّى
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي ٧/ ٥٥: رجال أحمد ثقات اه. وهو حديث حسن.
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٨/ ٣٦٧: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: يردها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون فينجيهم الله ويهوي فيها الكفار.
(٢) سورة هود: ٩٨.
(٣) سورة الأنبياء: ٩٨.
(٤) سورة القصص: ٣٣.
(٥) سورة الأنبياء: ١٠١ و ١٠٢.
(٦) البيت في «شرح ديوان زهير» ١٣، و «اللسان» - زرق-. والزّرق: المياه الصافية. وجمامة: راحة وشبع وريّ.