«اخترناكَ» بألف. فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى أي: للذي يوحى، قال ابن الأنباري: الاستماع ها هنا محمول على الإِنصات. المعنى: فأنصت لوحيي، والوحي ها هنا قوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي أي: وحِّدني، وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي فيه قولان: أحدهما: أقم الصلاة متى ذكرتَ أن عليكَ صلاةً، سواء كنتَ في وقتها أو لم تكن، هذا قول الأكثرين.
(٩٧٣) وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «من نسي صلاة فليصلها إِذا ذكرها، لا كفارة لها غير ذلك، وقرأ: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي».
والثاني: أقم الصلاة لتَذْكُرَني فيها، قاله مجاهد: وقيل: إِن الكلام مردود على قوله: فَاسْتَمِعْ، فيكون المعنى: فاستمع لما يوحى، واستمع لذِكْري. وقرأ ابن مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وابن السميفع:
«وأقم الصلاة للذِّكْرى» بلامين وتشديد الذال.
قوله تعالى: أَكادُ أُخْفِيها أكثر القراء على ضم الألف. ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال «١» :
أحدها: أكاد أخفيها من نفسي، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين. وقرأ ابن مسعود وأُبيّ بن كعب، ومحمد بن عليّ: أكاد أخفيها من نفسي، قال الفراء: المعنى: فكيف أُظهركم عليها؟
قال المبرِّد: وهذا على عادة العرب، فإنهم يقولون إِذا بالغوا في كتمان الشيء: كتمتُه حتى مِنْ نَفْسي، أي: لم أُطلع عليه أحداً. والثاني: أن الكلام تم عند قوله: «أكاد»، وبعده مضمر تقديره: أكاد آتي بها والابتداء: أخفيها، قال ضابئ البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت «٢» أراد: كدتُ أفعل. والثالث: أن معنى «أكاد» : أريد، قال الشاعر:
كادَتْ وكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ | لَوْ عَادَ مِنْ لَهْو الصَّبابَة مَا مَضَى «٣» |
فإن قيل: فما فائدة هذا الإِخفاء الشديد؟ فالجواب: أنه للتحذير والتخويف، ومن لم يعلم متى يهجم عليه عدوُّه كان أشد حذراً. وقرأ سعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، وأبو رجاء العطاردي، وحميد بن قيس: «أَخفيها» بفتح الألف، قال الزجاج: ومعناه: أكاد أظهرها، قال امرؤ القيس:
وإن تَدفِنُوا الدَّاءَ لا نَخْفِهِ | وإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نقعد «٤» |
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٨/ ٤٠٢: والذي هو أولى بتأويل الآية من القول، قول من قال: معناه:
أكاد أخفيها من نفسي لأن تأويل أهل التأويل بذلك جاء.
(٢) هو صدر بيت وتمامه:
هَمَمْتُ ولَم أَفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنِي | تَرَكْتُ على عثمان تبكي حلائله |
(٤) البيت في ديوانه ١٨٦ و «اللسان» - خفا-.