قوله تعالى: وَيْلَكُمْ قال الزجاج: هو منصوب على «ألزمكم الله ويلاً» ويجوز أن يكون على النداء، كقوله تعالى: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا «١».
قوله تعالى: لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً قال ابن عباس: لا تشركوا معه أحداً.
قوله تعالى: فَيُسْحِتَكُمْ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم:
«فيَسحَتَكم» بفتح الياء، من «سحت». وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «فيُسحِتكم» بضم الياء، من «أسحت». قال الفراء: ويُسحت أكثر، وهو الاستئصال، والعرب تقول: سحته الله، وأسحته، قال الفرزدق:

وعضّ زمان يا بن مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ مِنَ المَالِ إِلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ «٢»
هكذا أنشد البيت الفراء، والزجاج، ورواه أبو عبيدة: «إلا مسحت أبو مُجلَّفُ» بالرفع.
قوله تعالى: فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ يعني: السحرة تناظروا فيما بينهم في أمر موسى، وتشاوروا وَأَسَرُّوا النَّجْوى أي: أَخْفَوْا كلامهم من فرعون وقومه. وقيل: من موسى وهارون. وقيل: «أسرّوا» ها هنا بمعنى «أظهروا».
وفي ذلك الكلام الذي جرى بينهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم قالوا إِن كان هذا ساحراً، فإنا سنغلبه، وإِن يكن من السماء كما زعمتم، فله أمره، قاله قتادة. والثاني: أنهم لما سمعوا كلام موسى قالوا: ما هذا بقول ساحر، ولكن هذا كلام الرب الأعلى، فعرفوا الحقَّ، ثم نظروا إِلى فرعون وسلطانه، وإِلى موسى وعصاه، فنُكسوا على رؤوسهم، وقالوا إِن هذان لساحران، قاله الضحاك، ومقاتل. والثالث:
أنهم قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ الآيات، قاله السدي.
واختلف القراء في قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ فقرأ أبو عمرو بن العلاء: «إِنَّ هذين» على إِعمال «إِنَّ» وقال: إِني لأستحيي من الله أن أقرأ «إِنْ هذان». وقرأ ابن كثير: «إِنْ» خفيفه «هذانّ» بتشديد النون. وقرأ عاصم في رواية حفص: «إِنْ» خفيفة «هذان» خفيفة أيضاً. وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «إِنّ» بالتشديد «هاذان» بألف ونون خفيفة. فأما قراءة أبي عمرو، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن عثمان وعائشة، أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى:
وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ «٣» في سورة النساء. وأما قراءة عاصم، فمعناها: ما هذان إِلا ساحران، كقوله تعالى: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ «٤» أي: ما نظنك إِلا من الكاذبين، وأنشدوا في ذلك:
ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ
أي: ما قتلت إِلا مسلماً. قال الزجاج: ويشهد لهذه القراءة، ما روي عن أبيّ بن كعبٍ أنه قرأ «ما هذان إِلا ساحران»، وروي عنه، «إن هذان لساحران» بالتخفيف، ورويت عن الخليل «إِنْ هذان» بالتخفيف والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ بالنحو من الخليل. فأما قراءة الأكثرين بتشديد «إِنَّ»
(١) سورة يس: ٥٢.
(٢) البيت في ديوانه ٥٥٦ و «اللسان» - جلف-. والمجلّف: الذي أتى عليه الدهر فأذهب ماله. والجلف: أشد استئصالا من الجرف وأجفى.
(٣) سورة النساء: ١٦٢.
(٤) سورة الشعراء: ١٨٦.


الصفحة التالية
Icon