لغدٍ «١»، وكان يجوع حتى يشُدَّ الحجَر على بطنه «٢»، وقد كان كثير من فضلاء الصحابة ينفقون جميع ما يملكون، فلم ينههم الله، لصحة يقينهم، وإِنما نهى من خِيف عليه التحسُّر على ما خرج من يده، فأما من وثق بوعد الله تعالى، فهو غير مراد بالآية.
قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي: يوسع على من يشاء ويضيِّق، إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً حيث أجرى أرزاقهم على ما علم فيه صلاحهم.
قوله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ قد فسّرناه في سورة الأنعام «٣».
قوله تعالى: كانَ خِطْأً كَبِيراً قرأ نافع، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: «خِطْءاً» مكسورة الخاء ساكنة الطاء مهموزة مقصورة. وقرأ ابن كثير،: «خِطاءً» مكسورة الخاء ممدودة مهموزة.
وقرأ ابن عامر: «خَطَأً» بنصب الخاء والطاء وبالهمز من غير مدٍّ. وقرأ أبو رزين كذلك، إِلاَّ أنه مَدَّ وقرأ الحسن، وقتادة: «خَطْءاً» بفتح الخاء وسكون الطاء مهموزا مقصورا، وقرأ الزهري، وحميد بن قيس:
«خِطاً» بكسر الخاء وتنوين الطاء من غير همز ولا مَدّ. قال الفراء: الخِطء: الإِثم، وقد يكون في معنى «خَطَأ» كما قالوا: «قِتْبٌ» و «قَتَبٌ» و «حِذْرٌ» و «حَذَرٌ» و «نِجْسٌ» و «نَجَسٌ»، والخِطء، والخِطاء، والخَطَاء، ممدود: لغات. وقال أبو عبيدة: خَطِئْتُ وأَخْطَأْتُ، لغتان. وقال أبو علي: قراءة ابن كثير «خِطاءً»، يجوز أن تكون مصدرَ «خاطأ» وإِن لم يسمع «خاطأَ» ولكن قد جاء ما يدل عليه، أنشد أبو عبيدة:
تخاطأت إليك أحشاؤه
وقال الأخفش: خَطِئ يَخْطَأُ بمعنى «أَذْنَبَ» وليس بمعنى «أَخطأَ»، لأن «أخطأ» : فيما لم يصنعه عمدا. وتقول فيما أتيتَه عمداً، «خَطِئْتُ»، وفيما لم تتعمده: «أخطأتُ». وقال ابن الأنباري: «الخِطء» :
الإِثم، يقال: قد خَطِئَ يَخْطَأُ: إذا أثم، وأَخْطَأ يُخْطِئُ: إِذا فارق الصواب. وقد شرحنا هذا في سورة يوسف عند قوله: وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ «٤».

(١) حديث ضعيف. مداره على جعفر بن سليمان، وهو غير قوي بل أدرجه البخاري وغيره في «الضعفاء» راجع «الميزان» ١/ ٤٠٨- ٤١٠ وهذا الحديث رواه عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان لا يدّخر شيئا لغد. أخرجه الترمذي ٢٣٦٢ وابن عدي في «الكامل» ٢/ ٥٧٢ والخطيب في «تاريخه» ٧/ ٩٨ وابن حبان ٦٣٥٦. وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلّم مرسلا. وقال الحافظ ابن كثير في «الشمائل» ٩٨- ٩٩: المراد أنه كان لا يدّخر شيئا لغد مما يسرع إليه الفساد كالأطعمة ونحوها لما ثبت في «الصحيحين» عن عمر أنه قال: إن أموال بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلّم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت له خالصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته، وما بقي جعله في الكراع والسلاح في سبيل الله. الكراع: اسم يجمع الخيل والسلاح. حديث صحيح، أخرجه البخاري ٢٩٠٤ و ٤٨٨٥ ومسلم ١٧٥٧ وأبو داود ٢٩٦٥ والنسائي ٨/ ١٠٢.
(٢) حسن. أخرجه أحمد ٣/ ٣٠٠ بإسناد حسن من حديث جابر وأخرجه أبو يعلى ٢٠٠٤ من وجه آخر بسند فيه عنعنة أبي الزبير، وهو مدلس. وله شاهد من حديث أبي طلحة، أخرجه الترمذي في «الشمائل» ٢/ ٢٣٢ وإسناده ضعيف لضعف سيار بن حاتم، لكن يصلح حديثه شاهدا لما قبله.
(٣) الأنعام: عند الآية ١٥١.
(٤) سورة يوسف: ٩١.


الصفحة التالية
Icon