فحجب الله رسولَه عن أبصارهم عند قراءة القرآن، فكانوا يأتونه ويمرُّون به ولا يرونه.
والثالث: أنه منع الله عزّ وجلّ إِياهم عن أذاه، حكاه الزجاج.
وفي معنى مَسْتُوراً قولان: أحدهما: أنه بمعنى ساتر قال الزجاج: وهذا قول أهل اللغة. قال الأخفش: وقد يكون الفاعل في لفظ المفعول، كما تقول: إِنك مشؤوم علينا، وميمون علينا، وإِنما هو شائم ويامن، لأنه مِن «شَأمَهَمُ» و «يَمَنَهُم». والثاني: أن المعنى: حجاباً مستوراً عنكم لا ترونه، ذكره الماوردي. وقال ابن الأنباري: إِذا قيل: الحجاب هو الطبع على قلوبهم، فهو مستور عن الأبصار، فيكون «مستوراً» باقياً على لفظه.
قوله تعالى: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ قد شرحناه في سورة الأنعام «١».
قوله تعالى: وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ يعني: قلتَ: لا إِله إِلا الله، وأنت تتلو القرآن وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ قال أبو عبيدة: أي على أعقابهم، نُفُوراً وهو: جمع نافر، بمنزلة قاعد وقُعود، وجالس وجُلوس. وقال الزجاج: تحتمل مذهبين: أحدهما: المصدر، فيكون المعنى: ولَّوا نافرين نفوراً.
والثاني: أن يكون «نفوراً» جمع نافر. وفي المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم الشياطين، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم المشركون، وهذا مذهب ابن زيد.
قوله تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ.
(٨٩٦) قال المفسّرون: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليّا رضي الله عنه أن يتخذ طعاماً ويدعو إِليه أشراف قريش من المشركين، ففعل ذلك، ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إِلى التوحيد، وكانوا يستمعون ويقولون فيما بينهم: هو ساحر، هو مسحور، فنزلت هذه الآية: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ، أي: يستمعونه، والباء زائدة. إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى قال أبو عبيدة: هي مصدر مِنْ «ناجَيْتُ» واسم منها، فوصف القوم بها، والعرب تفعل ذلك، كقولهم: إِنما هو عذاب، وأنتم غَمٌّ، فجاءت في موضع «متناجين». وقال الزجاج: والمعنى: وإِذ هم ذوو نجوى، وكانوا يستمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويقولون بينهم: هو ساحر، وهو مسحور، وما أشبه ذلك من القول.
قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ يعني: أولئك المشركون إِنْ تَتَّبِعُونَ أي: ما تتَّبعون إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الذي سُحر فذُهب بعقله، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: مخدوعاً مغروراً، قاله مجاهد. والثالث: له سَحْر، أي: رئة وكلُّ دابَّة أو طائر أو بَشَر يأكل فهو: مسحور ومسحَّر، لأن له سحرا، قال لبيد:

ورد هذا الخبر من وجوه متعددة واهية، وستأتي. ولم أجد من ذكر أن سبب نزول هذه الآية هو هذا الخبر.
وانظر «تفسير القرطبي» ١٠/ ٢٣٧ بتخريجنا.
__________
(١) سورة الأنعام: ٢٥.


الصفحة التالية
Icon