ها هنا، حتى إِذا جئتُ لم أركَ فيه. ومن قرأ «مَبْصَرة» بفتح الميم والصاد، فمعناه: المبالغة في وصف الناقة بالتبيان، كقولهم: «الولد مَجْبَنة».
قوله تعالى: فَظَلَمُوا بِها قال ابن عباس: فجحدوا بها. وقال الأخفش: بها كان ظُلمهم. قوله تعالى: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً أي: نخوِّف العباد ليتَّعظوا. وللمفسرين في المراد بهذه الآية أربعة أقوال: أحدها: أنها الموت الذَّريع، قاله الحسن. والثاني: معجزات الرسل جعلها الله تعالى تخويفاً للمكذبين. والثالث: آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي. والرابع: تقلُّب أحوال الإِنسان من صِغَرٍ إِلى شبابٍ، ثم إِلى كهولة، ثم إِلى مشيب، ليعتبر بتقلُّب أحواله فيخاف عاقبة أمره، ذكر هذه الأقوال الثلاثة الماوردي، ونسب الأخير منها إلى إمامنا أحمد رضي الله عنه.
[سورة الإسراء (١٧) : آية ٦٠]
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠)
قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أحاط عِلمه بالناس، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الربيع بن أنس. وقال مقاتل: أحاط علمه بالناس، يعني: أهل مكة، أن يفتحها لرسوله صلى الله عليه وسلّم. والثاني: أحاطت قدرته بالناس، فهم في قبضته، قاله مجاهد. والثالث:
حال بينك وبين الناس أن يقتلوك، لتبلِّغ رسالته، قاله الحسن، وقتادة.
قوله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ في هذه الرؤيا قولان «١» :
أحدهما: أنها رؤيا عين، وهي ما أري ليلة أُسري به من العجائب والآيات. روى عكرمة عن ابن عباس قال: هي رؤيا عين رآها ليلة أُسري به، وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، ومسروق، والنخعي، وقتادة، وأبو مالك، وأبو صالح، وابن جريج، وابن زيد في آخرين. فعلى هذا يكون معنى الفتنة: الاختبار، فإن قوماً آمنوا بما قال، وقوماً كفروا. قال ابن الأنباري: المختار في هذه الرؤية أن تكون يقظة، ولا فرق بين أن يقول القائل: رأيت فلاناً رؤية، ورأيته رؤيا، إِلا أن الرؤية يقلُّ استعمالها في المنام، والرؤيا يكثر استعمالها في المنام، ويجوز كل واحد منهما في المعنيين. والثاني: أنها رؤيا منام. ثم فيها قولان:
(٩٠٢) أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان قد أُرِيَ أنه يدخل مكة، هو وأصحابه، وهو يومئذ بالمدينة، فعَجل قبل الأجل، فردَّه المشركون، فقال أناس: قد رُدَّ، وكان حدَّثَنَا أنه سيدخلها، فكان رجوعهم فتنتهم، رواه العوفي عن ابن عباس. وهذا لا ينافي حديث المعراج، لأن هذا كان بالمدينة، والمعراج كان بمكة: قال أبو سليمان الدمشقي: وإِنما ذكره ابن عباس على وجه الزيادة في الإِخبار لنا أن المشركين بمكة افتتنوا برؤيا عينه، والمنافقين بالمدينة افتتنوا برؤيا نومه.
__________
(١) قال الإمام الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٨/ ١٠٣: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال عني به رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما رأى من الآيات والعبر في طريقه إلى بيت المقدس ليلة أسري به.