إِلى غسق الليل، فيدخل فيها الأولى، والعصر، وصلاتا غسق الليل، وهما العشاءان، ثم قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، فهذه خمس صلوات.
والثاني: أنه غروبها، قاله ابن مسعود، والنخعي، وابن زيد، وعن ابن عباس كالقولين، قال الفراء: ورأيت العرب تذهب في الدُّلوك إِلى غيبوبة الشمس، وهذا اختيار ابن قتيبة، قال: لأن العرب تقول: دَلَكَ النجم: إِذا غاب قال ذو الرمة:

مَصَابِيْحُ لَيْسَتْ باللّواتي تَقُوْدُهَا نُجُومٌ وَلاَ بالآفلاتِ الدَّوالِكِ «١»
وتقول في الشمس: دلكتْ بَرَاحِ «٢»، يريدون: غربت، والناظر قد وضع كفَّه على حاجبه ينظر إِليها، قال الشاعر:
والشَّمْسُ قَدْ كادَتْ تَكُونُ دَنَفَا أدْفَعُها بالرَّاحِ كَيْ تَزَحْلَفَا «٣»
فشبّهها بالمريض الدَّنَف، لأنها قد همَّت بالغروب كما قارب الدَّنِف الموت، وإِنما ينظر إِليها من تحت الكف ليعلم كم بقي لها إِلى أن تغيب، ويتوقى الشعاع بكفِّه. فعلى هذا، المراد بهذه الصلاة:
المغرب. فأما غسق الليل فظلامُه. وفي المراد بالصلاة المتعلقة بغسق الليل ثلاثة أقوال: أحدها:
العشاء، قاله ابن مسعود. والثاني: المغرب، قاله ابن عباس. قال القاضي أبو يعلى: فيحتمل أن يكون المراد بيانَ وقت المغرب، أنه من غروب الشمس إِلى غسق الليل. والثالث: المغرب والعشاء، قاله الحسن.
قوله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ المعنى: وأقم قراءة الفجر. قال المفسرون: المراد به: صلاة الفجر. قال الزجاج: وفي هذا فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إِلا بقراءة، حين سمِّيت الصلاة قرآناً. قوله تعالى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً.
(٩١٣) روى أَبو هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «تشهده ملائكة الليل، وملائكة النهار».
قوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ قال ابن عباس: فَصَلَِّ بالقرآن. قال مجاهد، وعلقمة، والأسود: التهجُّد بعد النوم. قال ابن قتيبة: تهجَّدت: سهرت، وهجدت: نمت. وقال ابن الأنباري:
صحيح. أخرجه الترمذي ٣١٣٥ والنسائي ١/ ٢٤١ وفي «التفسير» ٣١٣ وابن ماجة ٦٧٠ وأحمد ٢/ ٤٧٤ والطبري ٢٢٥٩٤ من حديث أبي هريرة. وقال الترمذي: حسن صحيح. وصححه الحاكم ١/ ٢١١ على شرطهما، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وهو في الصحيحين عنه مرفوعا بلفظ: «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح» يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً. أخرجه البخاري ٦٤٨ و ٤٧١٧ ومسلم ٨٤٩ والنسائي في «التفسير» ٣١٣ وابن حبان ٢٠٥١ من حديث أبي هريرة. وانظر «فتح القدير» للشوكاني ١٤٥٤ و ١٤٥٥ بتخريجنا.
__________
(١) في «اللسان» : أفل: غاب وإذا غابت الشمس فهي آفلة، وكذلك القمر يأفل: إذا غاب.
(٢) في «اللسان» : براح: اسم للشمس، سميت بذلك لانتشارها وبيانها. وبراح: بكسر الباء، وهي باء الجر، وهو جمع راحة وهي الكف. ومن قال: دلكت الشمس براح: أنها كادت تغرب.
(٣) البيت للعجّاج كما في ديوانه: ٨٢ و «اللسان» - زحلف- ويقال للشمس إذا مالت للمغيب قد تزحلفت.


الصفحة التالية
Icon