نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ فيه قولان: أحدهما: النِّعمة البيِّنة، قاله ابن السائب، ومقاتل. والثاني: الاختبار العظيم، قاله ابن زيد، وابن قتيبة. فعلى الأول، يكون قوله هذا إِشارة إلى العفو عن الَّذبح. وعلى الثاني، يكون إشارة إِلى امتحانه بذبح ولده.
قوله تعالى: وَفَدَيْناهُ يعني الذَّبيح بِذِبْحٍ وهو بكسر الذال اسم ما ذُبِحَ، وبفتح الذال مصدر ذَبَحْتُ، قاله ابن قتيبة. ومعنى الآية: خلَّصْناه من الذَّبح بأن جعلنا الذّبح فداءً له. وفي هذا الذِّبح ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنه كان كبشاً أقرن قد رعى في الجنة قبل ذلك أربعين عاماً، قاله ابن عباس في رواية مجاهد، وقال في رواية سعيد بن جبير: هو الكبش الذي قرَّبه ابنُ آدم فتُقُبِّل منه، كان في الجنة حتى فُدي به. والثاني: أن إبراهيم فدى ابنه بكبشين أبيضين أعينين أقرنين، رواه أبو الطفيل عن ابن عباس.
والثالث: أنه ما فُدي إِلاّ بتيس من الأَرْوَى، أهبط عليه من ثَبِير، قاله الحسن. وفي معنى عَظِيمٍ أربعة أقوال: أحدها: لأنه كان قد رعى في الجنّة، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير. والثاني: لأنه ذُبح على دِين إبراهيم وسُنَّته، قاله الحسن. والثالث: لأنه مُتَقَبَّلٌ، قاله مجاهد. وقال أبو سليمان الدمشقي:
لمّا قرَّبَه ابنُ آدم رُفِع حيّاً فرعى في الجنة ثم جُعل فداء للذّبيح، فقُبِل مرتين. والرابع: لأنه عظيم الشَّخص والبَرَكة، ذكره الماوردي.
قوله تعالى:
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ | قد فسّرناه في هذه السّورة «٢». |
[سورة الصافات (٣٧) : الآيات ١١٤ الى ١٣٢]
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)
إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (١٢٥) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨)
وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢)
قوله تعالى: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ أي: أنعمنا عليهما بالنبوّة. وفي الْكَرْبِ
(٢) الصافات: ٧٨. [.....]