والثاني: أنها آيات الكتاب.
(٩٢١) روى أبو داود السجستاني من حديث صفوان بن عسّال، أن يهودياً قال لصاحبه: تعال حتى نسأل هذا النبيّ، فقال الآخر: لا تقل: إِنه نبيٌّ، فإنه لو سمع ذلك، صارت له أربعة أعين، فأتَيَاه فسألاه عن تسع آيات بيِّنات، فقال: «لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله إِلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تَسرقوا، ولا تأكلوا الرِّبا، ولا تمشوا بالبريء إِلى السلطان ليقتلَه، ولا تَسْحَروا، ولا تقذفوا المحصنات، ولا تَفِرُّوا من الزَّحف، وعليكم خاصّةً يهودُ ألاّ تَعْدُوا في السبتِ»، قال: فقبَّلا يده، وقالا: نشهد أنك نبيّ.
[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠١ الى ١٠٤]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)
قوله تعالى: فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ قرأ الجمهور: «فاسأل» على معنى الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلّم. وإِنما أُمر أن يسأل من آمن منهم عما أخبر به عنهم، ليكون حُجَّة على من لم يؤمن منهم. وقرأ ابن عباس:
«فَسَأَلَ بني إِسرائيل»، على معنى الخبر عن موسى أنه سأل فرعون أن يرسل معه بني إِسرائيل. فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ أي: لأحسِبك يا مُوسى مَسْحُوراً وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: مخدوعاً، قاله ابن عباس. والثاني: مسحوراً قد سُحِرْتَ، قاله ابن السائب. والثالث: ساحراً، فوضع مفعولاً في موضعِ فاعلٍ، هذا مروي عن الفراء، وأبي عبيدة. فقال موسى: لَقَدْ عَلِمْتَ قرأ الجمهور بفتح التاء. وقرأ علي عليه السلام بضمها، وقال: والله ما علم عدوّ الله، ولكنّ موسى هو الذي عَلِم، فبلغ ذلك ابنَ عباس، فاحتج بقوله تعالى: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ «١». واختار الكسائي وثعلب قراءة علي عليه السلام، وقد رُويت عن ابن عباس، وأبي رزين، وسعيد بن جبير، وابن يعمر. واحتج من نصرها بأنه لما نَسَبَ موسى إِلى أنه مسحور، أعلمه بصحّة عقله بقوله تعالى: «لقد علمتُ»، والقراءة الأولى أصح، لاختيار الجمهور، ولأنه قد أبان موسى من المعجزات ما أوجب علم فرعون بصدقه، فلم يردّ عليه إِلا بالتعلل والمدافعة، فكأنه قال: لقد علمتَ بالدليل والحجة «ما أنزل هؤلاء» يعني الآيات. وقد شرحنا معنى «البصائر» في سورة الأعراف «٢».
__________
(١) سورة النحل: ١٤.
(٢) سورة الأعراف: ٢٠٣.