بخفض رسول الله صوته بعد ذلك حتى لم يسمع أصحابه، فأنزل الله تعالى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ. أي:
بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبُّوا القرآن، وَلا تُخافِتْ بِها عن أصحابك، فلا يسمعون، قاله ابن عباس.
(٩٢٦) والثاني: أن الأعرابيّ كان يجهر في التشهُّد ويرفع صوته، فنزلت هذه الآية، هذا قول عائشة.
(٩٢٧) والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يصلِّي بمكة عند الصفا، فجهر بالقرآن في صلاة الغداة، فقال أبو جهل: لا تفتر على الله، فخفض النبيّ صلى الله عليه وسلّم صوته، فقال أبو جهل للمشركين: ألا ترون ما فعلت بابن أبي كبشة؟! رددته عن قراءته، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
فأما التّفسير، فقوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ المعنى: إِن شئتم فقولوا: يا ألله، وإِن شئتم فقولوا: يا رحمن، فانهما يرجعان إِلى واحد، أَيًّا ما تَدْعُوا المعنى: أيَّ أسماء الله تدعوا قال الفراء: و «ما» قد تكون صلة، كقوله تعالى: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ «١»، وتكون في معنى: «أيّ» معادَة لمَّا اختلف لفظهما.
قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ فيه قولان:
أحدهما: أنها الصلاة الشرعية. ثم في المراد بالكلام ستّة أقوال: أحدها: لا تجهر بقراءتك، ولا تخافت بها، فكأنه نهي عن شدة الجهر بالقراءة وشدة المخافتة، قاله ابن عباس. فعلى هذا في تسمية القراءة بالصلاة قولان: ذكرهما ابن الأنباري: أحدهما: أن يكون المعنى: فلا تجهر بقراءة صلاتك.
والثاني: أن القراءة بعض الصلاة، فنابت عنها، كما قيل لعيسى: كلمة الله، لأنه بالكلمة كان. والثاني:
لا تصلّ مراءاة للناس، ولا تَدَعْها مخافة الناس، قاله ابن عباس أيضاً. والثالث: لا تجهر بالتشهُّد في صلاتك، روي عن عائشة في رواية، وبه قال ابن سيرين. والرابع: لا تجهر بفعل صلاتك ظاهراً ولا تخافت بها شديد الاستتار، قاله عكرمة. والخامس: لا تحسن علانيتها، وتسئ سريرتها، قاله الحسن.
والسادس: لا تجهر بصلاتك كلِّها، ولا تُخافت بجميعِها، فاجهر في صلاة الليل، وخافِت في صلاة النهار، على ما أمرناك به، ذكره القاضي أبو يعلى.
والقول الثاني: أن المراد بالصلاة: الدعاء، وهو قول عائشة، وأبي هريرة، ومجاهد.
قوله تعالى: وَلا تُخافِتْ بِها المخافتة: الإِخفاء، يقال: صوت خفيت. وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا
باطل. عزاه المصنف لمقاتل، وهو متهم بالكذب، والمتن منكر جدا بهذا اللفظ، فهو باطل.
__________
(١) سورة المؤمنون: ٤٠.